بقلم: امجد القسيس*

تعبر السياسات الإسرائيلية في فلسطين اليوم، عن مزيج من ممارسة الفصل العنصري، والاحتلال العسكري، وكذلك الاستعمار الاحلالي. حيث يتم استثمار هذه الممارسات بهدف إتمام عملية تطهير عرقي في ارض فلسطين التاريخية من وجود السكان الفلسطينيين الأصليين. وعندما قامت الحركة الصهيونية برسم ملامح المشهد الاستعماري المنوي تنفيذه في فلسطين منذ العام 1897، في إطار الفرضية القائلة "شعب بلا أرض، لشعب بلا أرض " فإنها قد واجهت ثلاث عقبات أساسية تتمثل في:

- الوجود الفعلي للسكان الفلسطينيين الأصليين الذين كانوا في تلك الأراضي.
- حقوق الملكية للأراضي والعقارات التي يملكها الفلسطينيين في ارض فلسطين.
- جلب السكان المستعمرين اليهود، وإسكانهم في تلك الأراضي

وفي سبيل التغلب على العقبات الثلاث الانف ذكرها، فقد برزت الحاجة أمام الكيان الإسرائيلي الناشئ، إلى أن تتم عملية تأسيس نظام قانوني يسهم، بل يضمن، الحفاظ على الوضع الناشئ حديثاً نتيجة قيام دولة إسرائيل على أنقاض المجتمع الفلسطيني، بعد أن تم تهجير سواده الأعظم قسرياً. وقد كانت الحركة الصهيونية ومن ثم إسرائيل بعد إنشائها، غير مهتمة بإنشاء نظام قانوني يشرع هيمنة مجموعة عرقية/ عنصرية على أخرى. كما أن  الهدف الإسرائيلي كان ولا زال كامناً، ليس في استغلال القوة العاملة الأصلية، أو بشكل أكثر تبسيطا، الحد من فعالية مشاركتها السياسية والاجتماعية؛ بل إن الهدف الإسرائيلي، او الصهيوني بشكل أكثر صوابية، كان دوما يرمي باتجاه إقامة دولة يهودية متجانسة تكون محصورة على "الشعب اليهودي".

وهذا ما كان واضحا منذ البدايات الأولى للحركة الصهيونية، ويتأكد بشكل اكبر عبر حقيقة أن إسرائيل حتى الآن ليس لديها حدود ثابتة ودائمة أو معرفة كباقي الدول في العالم. كما يتبين ذلك من خلال ما أوضحته غولدا مائير، قائلة: "الحدود تقع أينما يعيش اليهود، وليست كخطوط موضوعة على الخارطة".1 بالنظر إلى هذا التصريح، جنباً إلى جنب مع ما كتبه دايفيد بن غوريون في العام 1937، حيث قال: "إن عملية الترحيل القسري للعرب من أودية الدولة اليهودية المنوي بنائها، إنما يكفل تقديم شيء لنا لم نحصل عليه من قبل... لذلك؛ علينا التمسك بهذا الاستنتاج بذات الشكل الذي تم فيه انتزاع وعد بلفور، بل أكثر من هذا، يجب أن يتم التمسك بها على غرار الطريقة التي تبنينا وتمسكنا بالصهيونية عبرها".2 وهنا بات من الواضح حديثه حول الاحتمالات غير المحدودة لتهجير الفلسطينيين وتوطين المستعمرين اليهود مكانهم. وكما يوضح نور مصالحة، بين العامين 1930 و1948، قامت الحركة الصهيونية بالتخطيط لترحيل السكان الفلسطينيين الأصليين وفقاً لتسعة مخططات متباينة، بدءاً من خطة وايتزمان للعام 1930 لترحيل الفلسطينيين حتى الخطة "دالت" التي تم تنفيذها في العام 1948. 3

 

هجرة ومواطنة متميزتان

استخدمت الحركة الصهيونية سلسلة من الإجراءات الاستباقية والوقائية، بهدف التغلب على العقبات الثلاث المذكورة أعلاه، والتي اتخذت شكل سياسات وممارسات وقوانين. وللتدليل على ذلك، يكفي النظر إلى قانون العودة الإسرائيلي لعام 1950، الذي ينص على أن: "لكل شخص يهودي في العالم الحق بالحصول على (المواطنة اليهودية)، والهجرة إلى إسرائيل كما الحصول على الجنسية الإسرائيلية فيها". ويظهر من خلال هذا القانون تسهيل وتشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل في سبيل خلق وتحقيق الدولة اليهودية وفقاً للتصورات الصهيونية

 

حقوق الملكية:  

اعتمدت إسرائيل على قانون أملاك الغائبين 1950، في سبيل مصادرة غالبية أملاك السكان الفلسطينيين، والتي تعود ملكيتها القانونية لهؤلاء السكان الذين هجروا من أماكنهم الأصلية ليصبحوا فيما بعد إما لاجئين وإما مهجرين في وطنهم يحملون صفة ال"مهجرين داخليا". وفي اللحظة التي تمت مصادرة هذه الأملاك فيها، أصبحت تعتبر وفقاً للقانون الإسرائيلي ملكاً لصالح الدولة.4 وكنتيجة للنظام الإسرائيلي بشأن الأراضي، فان الفلسطينيين اليوم لا يملكون سوى النذر اليسير من ارض فلسطين التاريخية وفقاً لخارطة فلسطين الانتدابية.5

وتم فرض القيود المشددة على توسع التجمعات الفلسطينية الموجودة في داخل الخط الأخضر والأراضي الفلسطينية المحتلة، كنتيجة للسياسات التخطيطية التمييزية الإسرائيلية. فمنذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ العام 1967، لم تسمح إسرائيل بإنشاء تجمع أو بلدية فلسطينية واحدة.6

وقد فتح الأمر العسكري 418 الباب أمام إنشاء نظام تخطيط وبناء إسرائيلي، تشرع من خلاله إسرائيل لنفسها، عملية السيطرة على كافة المجالات المتعلقة بالتخطيط والتنمية في الأرض الفلسطينية المحتلة وكنتيجة لذلك، فان سكان التجمعات الفلسطينية غالباً ما يجدون أنفسهم معزولين تماماً عن الأراضي المحيطة بهم

أما في التجمعات اليهودية، فالصورة معكوسة تماماً، إذ نجد أن اصغر التجمعات اليهودية وأكثرها نأيا لديه من المخططات لاستخدام الأراضي وعمليات البناء، ما هو مفصل وكفيل بالحفاظ على تنميته.7 

وفي سبيل تكثيف المشهد، "فان الفضاء الإسرائيلي يمتاز بديناميكية عالية، ومجمل التغيرات الجارية ضمنه تتخذ اتجاها واحدا، وهو توسيع السيطرة اليهودية على الأراضي بمختلف الوسائل، بما فيها الاستيطان المستمر. في حين أن العرب لا زالوا محصورين في جغرافية تنحصر باستمرار.8

 

ترحيل السكان

إن العقبة الأساسية أمام المشروع الصهيوني في فلسطين منذ بداياته حتى اليوم، تكمن في وجود الشعب الفلسطيني بحد ذاته. وهذا ما اجتهدت الأوساط الصهيونية ملياً عبر التاريخ في مواجهته بشتى الأساليب، على الأقل خلال العقود الستة الماضية. فمنذ بداية هذا المشروع تم اقتلاع أكثر من 2 مليون فلسطيني من منازلهم بشكل مباشر- ناهيك عن أبنائهم وأحفادهم-. وقد ساهمت القوانين الإسرائيلية مثل قانون منع التسلل لعام 1954، والأمرين العسكريين 1649 و 1650 في منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم،9 إذ أنها صممت أساسا لخدمة هذه الغاية. وتجدر الإشارة في هذا الموضع، إلى أن عمليات التهجير القسري المخطط والمتعمد، يمكن وصفها بأنها ترتقي إلى حد ممارسة النقل القسري للسكان، أو بالأحرى ممارسة التطهير العرقي بحقهم. وهذه النكبة المستمرة، خلقت بدورها حقيقة تفيد بان 67% من الفلسطينيين حول