الفلسطينيون في لبنان: لاجئون من دون حماية

بقلم: جابر سليمان*
بخلاف الأجانب، لايستطيع اللاجئون عامة والفلسطينيون منهم خاصة اللجوء الى سلطات بلدانهم طلباً للحماية، ولذلك فإن الحاجة الاساسية والملحّة للحماية هي ما يميز اللاجئين عن غيرهم من الأجانب. ولذلك أصبحت الحماية الدولية للاجئين والمحرومين من الجنسية، جزءاّ من النظام الدولي لحقوق الإنسان الأكثر شمولاً. غير أن اللاجئين الفلسطينيين، خلافاً لبقية لاجئي العالم، مستثنون من نظام الحماية الدولية التي توفرها الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئبن (1951) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR هذا بسبب استفادتهم من الخدمات التي تقدمها الأنروا UNRWA والتي لا تتعدى كونها نوعاً من الحماية الاغاثية Relief Protection ، والتي لا ترقى إلى مستوى الحماية القانونية والسياسية الني يكفلها نظام المفوضية.

نقص الحماية، أو غيابها، ناشئ عن التفسير الخاطئ للمادة 1/د من اتفاقية اللاجئين، والتي استثنت اللاجئين الفلسطينيين من نطاق عمل المفوضية باعتبار تمتعهم بالحماية والمساعدة الكاملتين من قبل هيئات دولية أخرى، وتحديدا من قبل لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين، والانروا. وتوجب المادة المذكورة تقديم الحماية والمساعدة للاجئين الفلسطينيين في حال توقفت أي من الهيئات الدولية المكلفة بتقديمها لهم، لأي سبب كان، قبل أن يتم حل قضيتهم حلا نهائيا بموجب القرارات ذات الصلة (القرار 194). وبما أن لجنة التوفيق الدولية المكلفة بتوفير الحماية الدولية بمعناها الشامل، بما في ذلك تسهيل عودة اللاجئين واستعادتهم لممتلكاتهم وتعويضهم، قد فشلت وتوقفت عن العمل منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي، فان نقص الحماية يبدو جليا في ظل عدم توسيع صلاحيات الانروا، وفي ظل عدم تكليف هيئة دولية أخرى بسد الثغرة الناشئة عن غياب لجنة التوفيق.

وفي حين يحرم اللاجئون الفلسطينيون من الحماية الدولية الممنوحة لبقية اللاجئين في العالم، فهم لا يتمتعون في الوقت نفسه بأية حماية وطنية أوحماية اقليمية مناسبة. ومن الجدير ذكره أنه لا توجد اتفاقية إقليمية بشأن اللاجئين في العالم العربي، عدا عن "الاعلان الخاص بحماية اللاجئين والمهجرين داخلياً في العالم العربي" (1992) وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان (1994) اللذان لم يدخلا حيّز التنفيذ أبداً.

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والحماية المفقودة
يعتبر اللاجئون الفلسطسينيون في لبنان أجانب بموجب التشريعات اللبنانية، بل فئة خاصة من الأجانب لا تتمتع حتى ببعض الحقوق الممنوحة لهؤلاء الأجانب (مثل الحرمان من حق التملك منذ العام 2001). وفي الواقع فإن التشريعات اللبنانية لا تمنح اللاجئين عامة واللاجئين الفلسطينيين خاصة وضعاً قانونياً مميزاً ومستقلاً عن الأجانب، كما أنها لا تعرف حتى مصطلح اللاجئ.

صحيح أن لبنان قد وقع على بروتوكول الدار البيضاء Casablanca Protocol (1965) (3 /8/1966) والذي ينصّ في مواده الخمس، على ضرورة معاملة اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية المضيفة، مع الاحتفاظ بجنسيتهم، معاملة رعايا تلك الدول فيما يتعلق بحق العمل والتوظيف وحرية السفر والحركة من والى تلك البلدان. لكنه تحفظ على مواده الثلاث الأولى من خلال طلبه إضافة عبارات تحّد وتقيد حق اللاجئين الفلسطييين المقيمين على أراضيه في العمل وحرية السفر والحركة.

لا تزال الدولة اللبنانية تماطل في منحهم الحّد الأدنى من الحقوق الأساسية، كما لا تزال تتعامل مع ملف الحقوق من منظور أمني، وتربطه بالإرث الثقيل للوجود العسكري ل (م.ت.ف) في لبنان في مرحلة ما قبل العام 1982، وببقايا الوجود العسكري الفلسطيني في المرحلة الراهنة (السلاح داخل المخيمات وخارجها). والأهم من ذلك كله فإنها تربط مسألة الحقوق بهاجس التوطين الذي تمّ تكريسه في دستور الطائف.

وقد أخلت الدولة اللبنانية بوعودها في سرعة إعمار مخيم نهرالبارد وعودة سكانه اليه، الأمر الذي يعتبر معيارا يدلل على مدى جدية الدولة في التعاطي مع ملف الحقوق. وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على انتهاء تلك الحرب، لم يتم سوى إعمار رزمة واحدة من الرزم السبع التي يتضمنها مشروع إعمار المخيم (396 وحدة سكنية من أصل وحدة5233). ولم تتم بالتالي سوى عودة 1200 من مجموع سكانه المشردين البالغ حوالي 27,000، وذلك بحجة عدم توفرالدعم المالي الكافي للاعمار. وفي واقع الحال إن النظرة الأمنية للمخيمات، وسعي الدولة اللبنانية لجعل مخيم نهر البارد نموذجاً للسيطرة الأمنية قابلا للتعميم على بقية المخيمات، شكلت وتشكل العقبة الأساسية أمام إتمام إعمار المخيم وعودة لاجئيه إليه، حيث لا يزال موقع المخيم الأصلي ومحيطه منطقة أمنية يفرض عليها الجيش اللبناني قيوداً صارمة فيما يتعلق بحرية حركة السكان منها وإليها.

حقوق اللاجئين في البرلمان: لا جديد!
في جلسته العامة بتاريخ 17/8/2010، ناقش البرلمان اللبناني اقتراح القانون المقدم من الحزب الاشتراكي في شقه المتعلق بحق العمل، وأجل النقاش في الشق الآخر المتعلق بحق التملك إلى أجل غير مسمى، لارتباط حق التملك في نظر بعض المشرعين اللبنانيين بملف التوطين.

وكانت نتائج الجلسة مخيبة لآمال اللاجئين الفلسطينيين، ولتوقعات منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية واللبنانيين الداعمة لحقوق الإنسان الفلسطيني في لبنان، إذ أصدر البرلمان القانون رقم 129 الذي عدّل المادة (59) من قانون العمل اللبناني، كما أصدر القانون رقم 128الذي عدّل المادة (9) من قانون الضمان الاجتماعي. وجاءت التعديلات ملتبسة ولم تلبّ الحد الأدنى المطروح في اقتراحات القوانين الثلاثة المذكورة وحتى أدناها سقفاً:
1- أبقت التعديلات على شرط حصول العامل الفلسطيني على إجازة العمل بوصفه أجنبياً في نظر القانون اللبناني لكنها أعفت هذا العامل من رسوم الإجازة، علماً بأن العامل الفلسطيني وفقاً لقرارات وزارية سابقة كان يدفع 25% فقط من قيمة هذه الرسوم. كما حافظت على الآلية السابقة التي تجعل العامل الفلسطيني يدور في حلقة مفرغة بين وزارة العمل ورب العمل، والتي تعرضه لابتزاز أرباب العمل واستغلالهم. في حين كان المطلوب إلغاء إجازة العمل بالنسبة للفلسطيني أو على الأقل إعفاؤه من تقديم المستندات اللازمة للحصول عليها، وخاصةً العقد المسبق مع ربّ العمل.
2- أبقت التعديلات على الحظر المفروض على مزاولة الفلسطينيين للمهن الحرة مثل الطب والمحاماة والهندسة وغيرها، حيث أنها لم تلغِ شرط المعاملة بالمثل- (State Reciprocity) الذي لا يمكن تطبيقه في الحالة الفلسطينية بسبب عدم وجود دولة فلسطينية تطبق هذا المبدأ بالنسبة للرعايا اللبنانيين. وبهذا لم يترك للفلسطينيين سوى مزاولة المهن اليدوية والمكتبية بشرط الحصول على إجازة العمل، علماً بأن السماح بمزاولة هذه المهن بالنسبة للأجانب بما فيهم الفلسطينون هي من صلاحيات وزراء العمل أنفسهم ولا تحتاج إلى تشريع من المجلس النيابي.
3- بالنسبة للضمان الاجتماعي، فقد سمحت تلك التعديلات للعامل الفلسطيني المنتسب إلى صندوق الضمان الاستفادة من صندوق تعويضات نهاية الخدمة التي يساهم فيها رب العمل والعامل نفسه (8.5%)، من خلال إنشاء حساب خاص بالعمال الفلسطينيين لدى صندوق الضمان، على ألا تتحمل خزينة الدولة أو الصندوق أي التزام مالي تجاهه. وذلك بعدما كان العامل الفلسطيني يدفع مساهمته في الصندوق من دون أن يكون له حق الاستفادة من تعويضاته. وفي المقابل لم تسمح التعديلات للعامل الفلسطيني المنتسب إلى صندوق الضمان الاستفادة من فرعيه الآخرين المتعلقين بالتعويض العائلي والأمومة والمرض، في حين ألزمته بدفع مساهماته في هذين الصندوقين (14.5%)، الأمر الذي يشكل إجحافاً كبيراً بحق العامل الفلسطيني.
وهكذا التف المشرع اللبناني على حقوق الفلسطينيين الأساسية وتمكن من إفراغ اقتراحات القوانين المقدمة إلى البرلمان من مضمونها الفعلي، ليس فقط فيما يتعلق بحق العمل، بل فيما يتعلق بحق التملك الذي أرجئت مناقشته إلى أجل غير مسمى؛ حيث جرى ربطه على نحو مضلل بفزاعة التوطين وإدخاله في سوق المزايدات اللبنانية والبازار السياسي اللبناني.
وعلى أية حال لم يدخل القانونان 128 و129 حيز التنفيذ، على الرغم من مرور حوالي سنة ونصف على إصدارهما، وذلك في انتظار صدور مرسوم تطبيقي من وزير العمل الحالي لانفاذهما. ولا أحد يعلم متى سيصدر هذا المرسوم.

خلاصة
يبقى الملف الفلسطيني غير ذي أولوية، هذا في ظل تغير الأولويات الوطنية اللبنانية في المرحلة الحالية، إلى جانب غياب الإجماع اللبناني على القضايا الوطنية الأساسية، ومنها قضية المحكمة الدولية ودور المقاومة، وفي أحسن الأحوال موضوع تجاذب ومساومة في البازار السياسي اللبناني.
كما يخوض الفلسطينيون في لبنان، كافة أشكال النضال المطلبي، في سبيل تحصيل أوسع طيف من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أساسا،ً وبعض الحقوق المدنية المرتبطة بحرية تشكيل الجمعيات الاهلية والنقابات، المحظور عليهم تشكيلها بوصفهم أجانب. وهم يعتبرون نضالهم من أجل الحقوق الأساسية مجرد وسيلة لتخفيف معاناتهم اليومية ومجرد إستراتيجية للبقاء و"رصيد" أساسي an asset في نضالهم من أجل العودة.
ويمكن تلخيص مطالب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من الدولة اللبنانية فيما يلي:
• دعوة الدولة اللبنانية الى إعادة تفسير التشريعات اللبنانية، ومواءمتها مع المعايير الدولية من أجل تأسيس معيار criteria أكثر صلابة لحقوق اللاجئين الفلسطينيين، استناداً إلى واقع إقامتهم الممتدة في لبنان، وإلى المعايير والأعراف المتبعة في معاملة اللاجئين في العالم. ونعتقد أن الخطوة في رحلة الألف ميل هذه، تبدأ بتأسيس وضع خاص للاجئين الفلسطينيين في لبنان Separate Legal Status يميزهم عن الأجانب.
• دعوة الدولة اللبنانية الى إدراك، أن الإقامة الطويلة وليس التمتع بالجنسية هو المعيار المعتمد لحصول اللاجيئن والمهاجرين على الحقوق الأساسية في البلدان التي تلتزم المواثيق والمعايير الخاصة بحقوق الإنسان. وهذا ما ينبغي أن ينطبق على وضع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان منذ أكثر من ستة عقود.
• ضرورة مقاربة ملف الحقوق الفلسطينية من منظورشامل، يتلازم فيه منح الحقوق مع احترام سيادة لبنان واستقراره، إضافة إلى الحفاظ على الوضع القانوني للاجئين وهوية المخيمات، بما يؤدي الى رفض التوطين والتمسك بحق العودة كثابت وطني فلسطيني / لبناني مشترك.
• التخلي عن المعالجة / النظرة الأمنية للوجود الفلسطيني المدني في لبنان، وبوجه خاص، النظرة إلى المخيمات واستبدالها بمقاربة مبنية على مفهوم الأمن الإنساني Human security. وبمعنى أدق، وجوب النظر إلى هذا الحق بوصفه واحداً من منظومة حقوق الإنسان وأحد مكونات النموذج الكلي للتنمية Holistic Paradigm of Development.
----------------
*جابر سليمان: باحث ومستشار فلسطيني مستقل. يعمل حاليا كمستشار للبرنامج الفلسطيني لدى منظمة اليونيسيف في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.