هذا العدد ليس جديدا في موضوعه، فقد سبق وان تناوله بديل في أعداد سابقة؛ ويأتي تناوله الآن لأنه ما زال هناك الكثير مما يمكن أن يقال أو يضاف إليه. في الأعداد السابقة، تركزت التحليلات والمقالات على إبراز عنصرية إسرائيل، وعلى ضرورة النظر إلى نظام الفصل العنصري الإسرائيلي كأحد أعمدة نظام السيطرة المفروض على فلسطين والشعب الفلسطيني إلى جانب الاستعمار الاحلالي والاحتلال العسكري طويل الأمد. العدد الحالي يأتي استكمالا لإعداد سابقة، إذ يلقي نظرة على عدد من مظاهر هذا النظام وتجسيداته في قوانين إسرائيل وممارساتها، بالإضافة إلى المسؤولية الدولية: الأخلاقية، والقانونية، والسياسية الناشئة تبعا لاستمرار إسرائيل في سياساتها.

بالإضافة إلى المقالات التي تناولت التعريف بالتمييز العنصري، وبجريمة الفصل العنصري والمسؤولية الدولية للدول والمنظمات الدولية مجتمعة ومنفردة، يتناول العدد مأسسة القمع العنصري بالتركيز على قضية الأسرى الفلسطينيين، وجذور فكرة الجدار العنصري، والمعازل المفروضة على الشعب الفلسطيني، ومأسسة التمييز في التعليم وغيره من المجالات.

كما ويلقي الضوء على سعة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ليتجاوز مفعوله ومفاعيله الأرض المحتلة عام 1967 أو حقوق فلسطينيي 1948، حيث انه ينتهك ابتداء وفي الأصل حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين تزيد نسبتهم عن ثلثي الشعب الفلسطيني من خلال مواصلة حرمانهم من حقوقهم، وخصوصا حقهم في العودة إلى ديارهم الأصلية وممتلكاتهم.

وتبرز أهمية العدد في انه يثير في أكثر من مقال ومن موقع سؤال إستراتيجية مقاومة الفصل العنصري، سواء من قبل الشعب الفلسطيني، أو الدول والمنظمات الدولية مجتمعة و/أو منفردة. وبمراجعة مقالات هذا العدد يعود السؤال الأساس: "كيف يمكن إنهاء الصراع جذريا (لا إدارته فقط)" ليحتل الأولوية.

في مقالات هذا العدد، يأتي الجواب - تصريحا أو ضمناقاطعا: ينتهي الصراع فقط بالقضاء جذريا على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بكافة تجسيداته القانونية والسياسية والفعلية. وهذا يعني عمليا تمكين اللاجئين والمهجرين من نيل حقوقهم بموجب القرارين 194 و 237، وانتهاء التمييز العنصري - على أي أساس كان- في سائر مجالات الحياة. عندها، سيكون مشروع "الدولة اليهودية" سواء ذات الغالبية أو النقية احد مشاريع العنصريين المندثرة في مسيرة انتصار القيم الإنسانية وتطبيقات الديمقراطية. عندها، لن يكون هناك أسرى ولا تهجير ممنهج، وعندها سيكون الاستيلاء على الأرض، والجدار، والمستوطنات، والطرق الالتفافية، ونظام تصاريح التنقل، والبناء...الخ مصطلحات ذات دلالة تاريخية لا اثر فعلي لها على حقوق الإنسان؛ الإنسان وحقوقه بالمعنى الحسي.

بدون اتفاق مسبق، يتفق المشاركون/ات في هذا العدد على أن الخلل الماثل في ميزان القوى، وغياب الإرادة السياسية للدول المتنفذة، وفشل المجتمع الدولي في الوقوف على الأسباب الجذرية للصراع تسهم في إدامة الصراع. ليس ذلك وحسب، بل وتؤكد بعض المقالات على أن الفعل الفلسطيني الذاتي ما زال قاصرا عن إحداث التغيير في المعادلة، لأنه لا يزال يفتقر للوضوح والشمولية في الرؤية والتجسيد. وهذا يعيدنا بدوره إلى المربع الأول: أن إستراتيجية التحرر الجدية لا بد أن تواجه إسرائيل كمشروع استعماري احلالي يستمر فقط بدوام الإيغال في العنصرية وتجسيداتها. وان مواجهة تلك التجسيدات بمعزل عن أصولها لا يكون ذا معنى، إذ ستبقى هكذا مواجهة مجرد خطوات هائمة...

التحرير