حول عضوية فلسطين كدولة في الأمم المتحدة

بقلم: بول دي فارت (هولندا)*

كانت اللجنة الرباعية الخاصة بعملية السلام في الشرق الأوسط قد دعمت خطة السلطة الفلسطينية التي أعلنتها في آب من العام 2009 لبناء الدولة الفلسطينية في غضون 24 شهراً. ومنذ ذلك الحين كثفت إسرائيل من جهودها التكتيكية لتعطيل أو تأخير سير تلك الخطة دون أي تدخّل يذكر من قبل اللجنة الرباعية، بل وتبدي الرباعية استغرابها حالياً من المسعى الفلسطيني للحصول على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة. تلك الخطوة التي ثار حولها نقاش وجدل كثيفين عبر صفحات الإنترنت، يعبر من خلالها المؤيدون والمعارضون عن رؤيتهم وخلافاتهم حول ما إذا كانت فلسطين دولة أم لا. حتى أولئك المؤيدين عبّروا عن خوفهم من أن يؤدّي المسعى الفلسطيني للإضرار بعملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، أو أن يضعف المطلب الفلسطيني باستعادة الأراضي التابعة لها. من وجهة نظري، ليس لهذا الخوف أساس من الصحة، فالقانون الدولي يؤكد بشكل لا لبس فيه على أن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة تشكل دولة فلسطين المستقبلية. وفي المقابل، فإن عملية السلام محكومة بالفشل طالما أن الأمم المتحدة ستفشل في وضع حد لاستخفاف إسرائيل المستمر بالقانون والشرائع الدولية ذات الصلة بهذا الصراع.

أما بالنسبة للمسألة المهمة حول كون فلسطين هي بالفعل دولة، فمن الملاحظ أن مفهوم الدولة (state) كحقيقة يختلف عن مفهوم الدولة كصفة/او كحق في نيلها (statehood). فالمفهوم الأخير، (التمتع بصفة الدولة أو بالحق في ذلك)، لا يعني بالضرورة أن يتماثل الغرض من اكتساب صفة الدولة في حالة ما مع كل حالات اخرى. تبعاً لذلك، مما لا شك فيه أن دولة فلسطين تندرج ضمن فئة المناطق المنتدبة التي صنفت "A". ولقد نشأت صفة الدولة على المناطق المنتدبة في المادة 22 من العهد الدولي الخاص بعصبة الأمم. فوفقاً لديباجته، لم يكن الانتداب على فلسطين المعلن في 24 تموز 1922 استثناء. من منظور القانون الدولي، فإن مشروعية/قانونية ذلك الانتداب هي حجة خاسرة. وفي سرده لبنود وفقرات القانون الدولي وأصول الصراع العربي الإسرائيلي 1891-1949، لم يقم الباحث الفلسطيني فيكتور قطان حقاً بمهاجمة مشروعية الانتداب على فلسطين، بل هاجم فقط آليات إدماج وعد بلفور في ذلك الانتداب.

ويلاحظ قطّان بأن المشروع الصهيوني لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بدا قانونياً بمواجهة أشياء، ولكنه "لم يعط الصهاينة شيكاً على بياض لاستعمار فلسطين". جاءت هذه الخلاصة لتصيب جوهر المسألة. فالصهاينة وظّفوا الانتداب لغرض استعمار فلسطين حتى يومنا هذا، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأحكام المتعلقة بتسهيل الهجرة اليهودية، الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية ومنح حقوق المواطنة لليهود الذين حصلوا على الإقامة الدائمة في أراضي فلسطين، باستثناء "شرق الأردن". عملية دمج المشروع الصهيوني في الانتداب على فلسطين لم تحرم مناطق فلسطين من وضعيتها القانونية كفئة مناطق انتدابية "A". لكنها ألقت على كاهل الانتداب مسؤولية يتعذّر تطبيقها، تتمثّل في التوفيق ما بين شروط مؤيدي الصهاينة حول الانتداب وبين "الثقة المقدسة بالحضارة" التي تنتهجها الأمم المتحدة. وحثت الدراسة كل من بريطانيا العظمى وسياسيها - وفي الأصل مجلس عصبة الأمم، وبعد ذلك خليفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة- إلى المضي قدماً من الناحية القانونية والسياسية، على افتراض أن كل سكان فلسطين الأصليين العرب واليهود لهم الحق في فلسطين على أساس مبدأ تقرير المصير.

جاء اقتراح الدولة المنتدبة على لجنة الانتداب الدائمة لعصبة الأمم في عام 1939 على أساس إنهاء الانتداب وقيام دولة فلسطينية مستقلة، ليعكس هذا الجدل. إن التعطيل الذي جرى على عمل اللجنة خلال الحرب العالمية الثانية، وانهيار عصبة الأمم في العام 1945، عمل على تحرير مجلس عصبة الأمم الذي شدّد بدوره على ضرورة إظهار نواياه لإقامة دولتين. ورغم ان الأمم المتحدة قد ابتلعت الطعم، إلا أن انتهاء نظام الوصاية/الانتداب؛ لا يعني انتهاءً الصفة القانونية الدولية للمناطق المنتدبة (الأصل)، بما في ذلك الجزء الوحيد المتبقى كمنطقة انتدابية فئة "A" من فلسطين وبحقها في الاستقلال. فقرار الجمعية العامة 181(2) المؤرخ 29 تشرين الثاني 1947 بشأن تقسيم فلسطين، اذ دعا الى تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية؛ إلا انه أكد على صفة الدولة لفلسطين ولكنه لم يقسم الصفة ذاتها (باعتبار ما سيكون لاحقا).

من وجهة نظر قانونية، جاء إعلان إسرائيل استقلالها في 14 أيار 1948، كخطوة أحادية الجانب، والتي يمكن أن ينظر إليها كوسيلة لتنفيذ حق تقرير المصير للشعب اليهودي في فلسطين. ولهذا السبب فإن هذه الخطوة لم تؤثر على صفة الدولة لفلسطين كإقليم، بل أدى إلى تضييق نطاق المناطق المنتدبة على حساب الناس الآخرين الذين يعيشون هناك، كما يحدث عادة في حالة الانفصال الناجح. إن مسألة قانونية انفصال إسرائيل من عدمها، تبقى مسألة أكاديمية بعد قبول إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة في العام 1949. وعلاوة على ذلك، جاء ذلك القبول\الاعتراف متزامناً مع انتهاء الانتداب وتساوقاً مع رؤية عصبة الأمم بأن التقسيم هو الخيار الوحيد لحل التناقضات التي شابت فترة الانتداب على فلسطين. ويمثل قرار قبول عضوية إسرائيل دليلاً على هذه المطابقة. فقبول عضوية الأمم المتحدة اشتمل ضمنياً على قبول حجم الأراضي التي اكتسبها اليهود في ذلك الوقت. وبعبارة أخرى، تغّير حجم أراضي فلسطين لينحصر في مناطق قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، التي كانت تحت الإدارة المصرية والأردنية على التوالي حتى احتلتها إسرائيل في العام 1967. وبعد انضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة كان على إسرائيل الامتناع عن استخدام القوة كوسيلة لاكتساب المزيد من أراضي فلسطين. وفسّرت إسرائيل على نحو خاطئ النص الانكليزي لقرار مجلس الأمن 242 المؤرخ 22 تشرين الثاني 1967 مستغلة عدم وجود "ال" التعريف، ووضعت نفسها في موقع القرار فيما إذا كان عليها وإلى أي مدى ينبغي أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا التفسير الخاطئ عكس الاختلافات القانونية حول وضعية الأراضي الفلسطينية المحتلة كمناطق انتدابية فئة "A" من جهة واكتساب إسرائيل لبعض المناطق المصرية والسورية من جهة أخرى.

وجاء إعلان استقلال فلسطين في 15 تشرين الثاني 1988 أيضاً كخطوة أحادية الجانب. بيد أنها لم تكن مسألة انفصال، بل مسألة القبول بوجودها بحكم الأمر الواقع “de facto” بموجب قرار التقسيم في العام 1949. ومثلما اعترفت الدول في عام 1948 بقيام دولة إسرائيل قبل انضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة، اعترفت أكثر من مائة دولة بدولة فلسطين قبل انضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن فلسطين دولة عضو في جامعة الدول العربية والتي تعتبر منظمة إقليمية متعاونة مع الأمم المتحدة. لم تتعرض اتفاقات أوسلو لهذا الوضع، وبغض النظر عن مكانتها القانونية الحالية، لم تنكر اتفاقات أوسلو بأن فلسطين هي دولة، وكان هدفها الرئيس التعريف بفلسطين كونها إلى جانب إسرائيل أو العكس، وذلك كأساس لمعاهدة سلام بين دولتين على قدم المساواة، وليس فقط إنشاء لدولة فلسطين. على أي حال، فإن الدولة الفلسطينية لم تنتج عن اتفاقات أوسلو، بل ناتجة عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بحسب قرار التقسيم.

كثير من الدول هي مع الرأي القائل بأنه تنطبق على فلسطين صفات وشروط الدولة بحسب قواعد القانون الدولي وهي تمتلك المؤهلات التالية: أ) تعداد سكاني دائم؛ ب) منطقة معروف حدودها؛ ج) لها حكومة؛ د) لها القدرة على بناء علاقات متبادلة مع الدول الأخرى. تلك الدول تتصرف وفقاً لذلك، وهذا ما تظهره المعاهدات المبرمة بينها وبين فلسطين والدخول في علاقات دبلوماسية معها. ويبرز هنا الخلل في عدم تبني الأمم المتحدة لنفس الرؤية، فكعضو في اللجنة الرباعية أيدت الأمم المتحدة رأي الولايات المتحدة (وبالتالي إسرائيلوالاتحاد الأوروبي وروسيا بأن التوصل إلى تسوية والمفاوضات المباشرة بين الطرفين، ستؤدي إلى ظهور دولة فلسطينية ديمقراطية، مستقلة، وقابلة للحياة تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل وجيرانها الآخرين.

رسمياً، يتم قبول عضوية الدول في الأمم المتحدة بقرار من جمعيتها العامة وبأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين بناء على توصية من مجلس الأمن بعد تأييد أغلبية أعضائه بمن فيهم الأعضاء الدائمين. لكن فلسطين ليست هي تلك الدولة، فهي المنطقة الوحيدة المنتدبة فئة "A" الوحيدة التي لم تحصل على استقلالها الكامل من قبل مجلس عصبة الأمم في العام 1946. حالياً، الجمعية العامة تتحمل المسؤولية النهائية تجاه استحقاق "الثقة المقدسة بالحضارة" فيما يتعلّق بالشعب الفلسطيني. وبالرغم من أن انضمام إسرائيل لعضوية الأمم المتحدة في عام 1949 وفقاً للإجراءات المذكورة أعلاه، إلا أن ذلك جاء ضمن سياق إنشاء دولة استقلت وانفصلت عن فلسطين. أما بالنسبة لدولة فلسطين، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان حق النقض (الفيتو) قد يعيق قبول