حقوق اللاجئين في ظل موازين القوى الحالية

بقلم: عبد الفتاح القلقيلي (ابو نائل)*

هل إمكانية التوصل لحل نهائي يضمن حقوق اللاجئين في ظل موازين القوى الحالية امر وارد؟

تمهيدا للإجابة على هذا السؤال لا بد من استدعاء الحقائق التالية:
1. لا نبالغ إذا قلنا أن "حقوق اللاجئين" هي اساس القضية الفلسطينية؛ لان ظاهرة اللاجئين هي التعبير الاوضح عن الاحتلال، خاصة وانهم ليسوا مهاجرين بل هم مهجّرون بالقوة المباشرة او غير المباشرة.
2. ولا نبالغ إذا قلنا ان الحد الادنى من حقوق هؤلاء اللاجئين هو العودة الى ديارهم، حيث ان قرار الامم المتحدة رقم 194 نص على ان حقوقهم التي تشمل العودة إلى ديارهم والتعويض عن ما لحق بهم من أذى.

3. ولا نبالغ إذا قلنا أن الأحزاب والقوى الصهيونية، اليسارية منها واليمينية، المتطرفة منها والمعتدلة، تُجمع على ان "عودة اللاجئين الى ديارهم (اسرائيل) هو تدمير كامل لاسرائيل"، اي لا يقبلون بعودة هؤلاء الى اسرائيل. وتختلف هذه القوى فيما بينها حول امكانية التعويض المعقول عن اراضيهم، وعودة اعداد بسيطة لاعتبارات انسانية.

4. ولا نبالغ إذا قلنا أن الدول المؤثرة في السياسة العالمية عموما، او تملك امكانية ضغط ما على اسرائيل، والدول دائمة العضوية في مجلس الامن؛ هذه الدول جميعا يتراوح موقفها في مسألة حقوق اللاجئين من التعويض والتوطين الى "حل متفق عليه". وهنا من الهام ان نشير الى ان منظمة التحرير الفلسطينية اوضحت بمناسبات عدة ان الحد الادنى الذي قد توافق عليه هو"حل عادل متفق عليه" لمشكلة اللاجئين. اي انها لم تعد تتمسك بحق عودة اللاجئين الى ديارهم، مع ان امريكا تعتبر ان حق عودة اللاجئين سيكون الى اراضي الدولة الفلسطينية التي ستقوم بناء على المفاوضات المباشرة بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. واما السلطة الاسرائيلية الحالية برئاسة نتنياهو فترى انه لا مجال لقبول قيام دولة فلسطينية (مهما كانت مواصفاتها وامكانياتها متواضعة) الى جانب دولة اسرائيل ما لم يوافق الفلسطينيون على الاعتراف بان اسرائيل هي "دولة اليهود". اي ان غير اليهود على ارضها (بمن فيهم الفلسطينيون الحاليون الذين يطلق عليهم عرب إسرائيل) هم ضيوف او مقيمون، ولكن ليسوا مواطنين. فما بالك بالفللسطينيين اللاجئين الطامعين بالعودة؟!


5. لا نجافي الحقيقة اذا قلنا ان منظمة التحرير الفلسطينية (عام 1991) دخلت مدخل التسوية وهي في اضعف حالاتها، وبأقل تأهيل لمفاوضات متوازنة. فالمنظمة كانت تعاني من جفاف في مواردها العسكرية والمالية والدبلوماسية. وكانت علاقاتها العربية اما مضطربة (كما مع سوريا) او مقطوعة (كما مع دول الخليج)، او مرتبكة (كما مع الاردن). وكانت الجبهة العربية في اسوأ احوالها بعد هزيمة العراق التي اعتبرها الامريكيون والاسرائيليون هزيمة لكل العرب، بمن فيهم سوريا التي كانت ضمن قوى "حفر الباطن" المتحالف مع الامريكيين ضد العراق، ناهيك عن منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت متحالفة مع العراق، والاردن التي كان ينظر لها انها متحالفة او (على الاقل) متعاطفة مع العراق. ودوليا كان الاتحاد السوفييتي (السند الاقوى لمنظمة التحرير الفلسطينية) قد انهار قبل ذلك بثلاث سنين، وكانت روسيا كوريثة لهذه الدولة العظمى لا تزال تلملم نفسها، وتتلمس طريقها.


6. ولكن الموضوعية تفرض علينا ان نشير الى انه كان هنالك عامل ايجابي في الواقع الفلسطيني وهو "الانتفاضة الفلسطينية"، رغم انها كانت قد بدأت بالتراجع لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية. ولكن الجدير بالملاحظة في هذا العامل ان القيادة الفلسطينية وظفت الانتفاضة كما وظف انور السادات حرب تشرين، إذ جعلها قنبلة دخانية تسلل عبرها الى زيارة القدس ثم الى اتفاقية كامب ديفد.


7. لانخالف قوانين الحياة السياسية اذا قلنا ان التسوية (اي تسوية) تكون محصلة موازين القوى السائدة آنذاك.

بعد استعراض هذه الحقائق نقول انه لا أمل بتسوية في المدى المنظور (مع بقاء موازين القوى الحالية على حالها) تضمن الحد الادنى من حقوق اللاجئين (اي العودة الى ديارهم).

ولكن إذا طرحنا السؤال بشكل آخر، وقلنا: هل هنالك امكانية لنيل اللاجئين لحقوقهم؟ يمكنني ان اجيب بـ"نعم" ولكن بتغيير ميزان القوى من خلال تغيير المدخل، حيث ان منظمة التحرير الفلسطينية دخلت المدخل الخاطئ منذ مؤتمر مدريد، مرورا بأوسلو، تعريجا على طابا وشرم الشيخ وغيرها من اللقاءات والمؤتمرات. والواقع يقول: "اذا دخلت في المدخل الخاطئ، فإن ما تحسبه انجازا انما هو تراجع لانك ملزم بالعودة الى نقطة الصفر، او ما يسميه المفاوضون "المربع الاول". ومصطلح " العودة الى المربع الاول" هو من المصطلحات التي يكررها المفاوضون الفلسطينيون منذ ثمانية عشر عاما (1993- 2011)، وفي مقدمتهم رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية.
--------
* عبد الفتاح القلقيلي (ابو نائل): كاتب وباحث فلسطيني، الأمين العام للمجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم في م.ت.ف.