الضحايا الفلسطينيون وحقوق الإنسان رهائن للمصالح السياسة

إعداد: وحدة الحملة في مركز بديل

أين وصل تقرير غولدستون؟

لا يزال الإفلات من العقاب سائدا في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهذا الأمر واضح في نوعية الاستجابة الدولية حيال الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل بين 27 كانون أول 2008 – 18 كانون ثاني 2009، والذي سقط فيه أكثر من 1,400 فلسطينيا، واكثر من 5000 جريح. وكان 83% من بين الضحايا الفلسطينيين مدنيين محميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيون الذين هجروا قسرا من ديارهم وممتلكاتهم إلى قطاع غزة نتيجة لعملية التطهير العرقي الإسرائيلية خلال نكبة عام 1948.

وبعد مرور عامين على الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل، فشلت التحقيقات الداخلية (الوطنية) في تلبية المعايير الدولية؛ فلم تجر محاكمة أولئك المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولم تقدم أية تعويضات للضحايا. يقدم هذا الملخص لمحة عامة عن تقرير غولدستون، موضحا كيف بدأ، والعملية التي مرّ خلالها، وكيف يمكن التقدم بنتائج التقرير إلى الأمام لضمان تحقيق العدالة للضحايا

النتائج الواردة تقرير غولدستون (استنتاجات بعثة تقصي الحقائق)


خلال الهجوم على غزة، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القرار رقم (A/HRC/S-9/L.1)، الذي أدان الاعتداءات الإسرائيلية، ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لتقديم تقرير حول المزاعم المتعلقة بجرائم حرب اقترفت خلال الهجوم الإسرائيلي. وفي الثالث من نيسان 2009، شكل مجلس حقوق الإنسان بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق، وتم تفويضها بمهمة "التحقيق في جميع الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي يمكن أن تكون قد وقعت في أي وقت في سياق العمليات العسكرية التي نفذت في قطاع غزة خلال الفترة الواقعة بين 27 كانون أول 2008 وبين 18 كانون ثاني 2009، وسواء قبلها، خلالها أو بعدها".
وفي التاسع والعشرين من أيلول 2009، قدمت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن الحرب على غزة، والمكونة من القاضي الجنوب – أفريقي ريتشارد غولدستون وفريقه المكون من ثلاثة أشخاص آخرين، تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان (في دورته الثانية عشرة). وأكد "تقرير غولدستون" حول حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى: تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن حرب غزة"، على أن كلا من القوات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة قد ارتكبت انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، بما فيها جرائم حرب، ومن المحتمل جرائم ضد الإنسانية.

وثق تقرير غولدستون الهجمات الإسرائيلية على مرافق الأمم المتحدة الموجودة في قطاع غزة، وعلى المساجد، المدارس واستخدام الفلسطينيين كدروع بشرية، كما قدم تفاصيل عن الحوادث المروعة بشكل خاص، مثل ذلك الذي وقع في حي الزيتون في غزة، الذي قام فيه الجنود الإسرائيليون بتجميع أكثر من مائة شخص من عائلة السموني في منزل واحد قبل فتح النار عليه بالصواريخ والقذائف المدفعية، مما أسفر عن مقتل 29 شخصا من العائلة وإصابة العشرات الآخرين. وإلى جانب توثيق أعمال القتل، أوضح التقرير أيضا ما جاء في تقارير سابقة حول التدمير الإسرائيلي الوحشي للبنية التحتية المدنية والملكية الخاصة في غزة، ومن ضمنها مزارع الدواجن، وتدمير واحدة من بحيرات الصرف الصحي التابعة لمنشاة معالجة المياه العادمة في غزة، مما أدى إلى تدفق 200,000 متر مكعب من المياه العادمة إلى الأراضي الزراعية المجاورة.

وكشف تقرير غولدستون أنه في الفترة التي سبقت الهجوم الحربي الإسرائيلي على غزة، فرضت إسرائيل حصارا على غزة يرقى إلى حد العقاب الجماعي، ونفذت سياسة منهجية للعزل والحرمان المنهجي لسكان قطاع غزة. وخلال العملية العسكرية، دمرت القوات الإسرائيلية البيوت، المصانع، الآبار، المدارس، المستشفيات، مراكز الشرطة والمباني العامة الأخرى، مع العائلات، بما في ذلك ترك الشيوخ والأطفال الذين يعيشون في وسط أنقاض مساكنهم السابقة لفترة طويلة بعد انتهاء الهجمات، كما لم يكن هناك إعادة إعمار بسبب استمرار الحصار. وعانى سكان قطاع غزة من صدمة كبيرة، سواء فورية أو بعيدة الأجل. وقد وجهت إسرائيل عملياتها العسكرية نحو سكان قطاع غزة ككل، وذلك تعزيزا لسياستها الشاملة الهادفة لمعاقبة سكان قطاع غزة، في سياسة متعمدة تستهدف السكان المدنيين المحميين بموجب معاهدة جنيف الرابعة.


خارطة طريق للمساءلة وتحقيق العدالة


تكمن أهمية النتائج التي توصل إليها تقرير غولدستون في رسمه لـ"خارطة طريق للمساءلة" غير مسبوقة، التي تضع مجموعة من المبادئ التوجيهية الواضحة لتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب. ويشير التقرير بقلق إلى أن تكرار صدور التقارير حول حقوق الإنسان مع غياب المتابعة اللاحقة قد خلق وضعا "يشجع ويعزز قناعة إسرائيل بأنها بعيدة عن المساءلة"، كما انشأ التقرير "أزمة عدالة" للفلسطينيين، وألزم نفسه بتوفير إطار لضمان متابعة نتائجه.


وللقيام بذلك، أعطى التقرير للسلطات الفلسطينية والإسرائيلية فترة ستة شهور من أجل إجراء تحقيقات داخلية (وطنية) في جرائم الحرب، وجرائم محتملة ضد الإنسانية خلال الهجوم الإسرائيلي وبأن تقوم بمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم. وبعد ستة أشهر، إذا لم تفِ هذه التحقيقات الداخلية (الوطنية) بالمعايير الدولية الخاصة بالاستقلالية والحياد والنزاهة..، فإن تقرير غولدستون يوصي بمجموعة من السبل لضمان مساءلة المسئولين عن تلك الجرائم:
• يقوم مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي بإحالة التقرير لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية؛
• تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء صندوق للتعويضات لتوفير تعويضات للفلسطينيين الذي أصيبوا بضرر أو خسارة كنتيجة للعدوان الإسرائيلي؛
• تطلب الجمعية العامة من حكومة سويسرا أن تقوم بعقد مؤتمر للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، حول تدابير لإنفاذ الاتفاقية في الأرض الفلسطينية المحتلة؛
• تطلب الجمعية العامة من مجلس الأمن أن يقدم تقريرا حول الإجراءات المتخذة لتحقيق المساءلة عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان، وتقوم بالنظر في أية إجراءات أخرى يرغب في اتخاذها من أجل ضمان تحقيق العدالة مثل تلك التي يوفرها قرار الأمم المتحدة رقم 377 "الاتحاد من أجل السلام".
• دعوة الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 لفتح تحقيقات جنائية في محاكمها الوطنية، باستخدام مبدأ الولاية العالمية للقضاء، ومتى استلزم الأمر تقوم باعتقال ومحاكمة مرتكبي الجرائم، ومن الهام القيام بتعزيز شرعية الدعاوى التي ترفع من قبل الضحايا الفلسطينيين ضد المتهمين الإسرائيليين أمام محاكم في الخارج.
وإضافة إلى تفعيل آليات لتطبيق العدالة الدولية، قدمت البعثة أيضا عددا من التوصيات العملية والمرتبطة بالنتائج التي توصلت إليها، ومن هذه التوصيات العملية:
• توصية بأن تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بالترويج لمناقشة عاجلة حول مدى قانونية استخدام ذخائر معينة في المستقبل حسب التقرير، وبشكل خاص الفسفور الأبيض، القذائف المسمارية والمعادن الثقيلة مثل التنغستون.
• توجيه دعوة للحكومة الإسرائيلية لإنهاء الحصار على غزة، ولمراجعة قواعد الاشتباك الخاصة بها، لجعلها تتماشى مع القانون الدولي، وإطلاق سراح السجناء السياسيين ووقف القيود على الحركة المفروضة على تنقل الفلسطينيين في الضفة الغربية، قطاع غزة، والقدس الشرقية وللعالم الخارجي.
• دعوة جميع الأطراف الفلسطينية لاحترام القانون الدولي؛
• يوصي التقرير بأنه من المفترض أن يكون للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان دور مركزي في إطار مبادرات السلام التي ترعاها الأسرة الدولية.

ماذا حدث لتقرير غولدستون؟ وما هي الخطوات التالية؟

بعد صدور التقرير بتاريخ 29 أيلول 2009، كان من المقرر التصويت على نتائجه بعد النقاش في الدورة الثانية عشرة لمجلس حقوق الإنسان في الثاني من تشرين أول 2009، ولكنه تأجل بناء على طلب مندوب منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة، وذلك تحت ضغط دولي مكثف. وفي هذا الوقت، قامت مؤسسة بديل وعدد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، بإصدار بيان بعنوان: "عدالة مؤجلة هي إنكار للعدالة"، والذي يدين قرار التأجيل، باعتبار انه تفضيل الاعتبارات السياسية على تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الإسرائيلية. وكان هذا التدخل جزءا من معارضة شعبية أوسع لقرار منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي قاد في نهاية المطاف المنظمة في يوم 11 تشرين أول 2009، لكي تطلب عرض تقرير غولدستون والتصويت عليه في جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان. وفي دورته الخاصة الثانية عشرة في 16 تشرين ثاني، استأنف المجلس نقاشه للتقرير مصدرا القرار (A/HRC/S-12/1)، الذي اقر التقرير وأدان الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قطاع غزة والقدس الشرقية، كما انتقد إسرائيل لإخفاقها في التعاون مع بعثة الأمم المتحدة.

ونتيجة لذلك، قدم التقرير بعد ذلك للجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت القرار A/Res/64/10، وأيدت فيه تقرير مجلس حقوق الإنسان، وطلبت من السكرتير العام للأمم المتحدة نقل التقرير لمجلس الأمن، وطالبت بتحقيقات مستقلة تقوم بها السلطات الفلسطينية والإسرائيلية، وطلبت من الأمين العام تقديم تقرير في غضون ثلاثة أشهر حول التقدم المحرز بشأ، تطبيق القرار. ويكرر قرار الجمعية التوصيات التي جاءت في تقرير غولدستون، كما ويدعو حكومة سويسرا، بصفتها الدولة المودع لديها اتفاقية جنيف الرابعة، لعقد مؤتمر للأطراف السامية المتعاقدة في معاهدة جنيف الرابعة، بهدف نقاش التدابير لإنفاذ الاتفاقية في الأرض الفلسطينية المحتلة. وجرى التأكيد مرة أخرى على دعم تقرير غولدستون والدعوة لتنفيذه في 26 شباط 2010، بقرار آخر للجمعية العامة للأمم المتحدة، كرر مطالب القرار السابق، وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريرا مرة أخرى، في غضون خمسة شهور، حول التقدم المحرز باتجاه تنفيذ القرار. وأعيد التأكيد على ضرورة المساءلة في قرار آخر لمجلس حقوق الإنسان، وهو قرار رقم ،13/9 الذي دعا إلى تأسيس لجنة مستقلة من خبراء حقوق الإنسان بهدف مراجعة التقدم المحرز في تنفيذ توصيات تقرير غولدستون.

وفي دورته الخامسة عشرة، تسلّم مجلس حقوق الإنسان تقرير لجنة الخبراء المستقلة، الذي خلص إلى أن التحقيقات الداخلية، لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فشلت في مراعاة المعايير الدولية للنزاهة والحيادية والاستقلالية. كما انتقدت اللجنة إسرائيل أيضا، على عدم تعاونها مع اللجنة في تحقيقاتها، وعلى تجاهلها شهادات الشهود الفلسطينيين، وفي إخفاقها في إجراء أي تحقيق جدي في سلوكها الحربي. وأصرت منظمات المجلس الفلسطيني لحقوق الانسان ومؤسسة بديل، كجزء من عملها في مجلس حقوق الإنسان الفلسطيني، على ضرورة السعي لتحقيق العدالة الجنائية الدولية، ودعت مجلس الأمن الدولي لإحالة الوضع إلى محكمة الجنايات الدولية، وذكّرت جميع الدول بواجبها القانوني المتمثل في إجراء التحقيقات، ومحاكمة أولئك المشتبهين بارتكاب انتهاكات خطيرة لاتفاقية جنيف.

وفي رده على تقرير لجنة الخبراء، تبنى مجلس حقوق الإنسان قرارا جرت صياغته من قبل السلطة/منظمة التحرير، وهذا القرار يمدد ولاية لجنة الخبراء من أجل إعداد تقرير عن التقدم المحرز في التحقيقات الداخلية (الوطنية) التي اضطلعت بها إسرائيل والسلطات الفلسطينية، ولكنه تجنب الدعوة لتفعيل آليات المساءلة الدولية على النحو الوارد في توصيات تقرير غولدستون. وفي هذه المرحلة، أصبح السؤال المطروح هو: هل يمكن إخضاع إسرائيل للمساءلة عن الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين المحتلين والمحاصرين في غزة؟ والإجابة عنه ستتضح خلال آذار 2011 (دورة مجلس حقوق الإنسان الحالية – الدورة 16)، حيث سيتضح فيما إذا ما كان مجلس حقوق الإنسان سيطالب بإجراءات من جانب الجمعية العامة و/أو من مجلس الأمن. وتدعو مؤسسات حقوق إنسان فلسطينية وعالمية، ومنها بديل، إلى حملة ضغط شعبي، فضلا عن دعوة السلطة/المنظمة لدعم التوجه لاستصدار قرار يحيل التقرير إلى هيئات دولية ذات صلاحيات تنفيذية، كما هو مبين في مواضع أخرى من هذا العدد.


دعوات للعمل العام، تهدف إلى:
• زيادة وعي الجمهور حول المعيقات التي تحول دون حصول الشعب الفلسطيني على العدالة، والحاجة إلى مساءلة إسرائيل بموجب القانون الدولي في المحاكم المحلية (الوطنية) في الخارج، وكذلك من داخل نظام الأمم المتحدة.
• إطلاع صناع القرار والضغط عليهم من أجل أن يدعموا آليات المساءلة الدولية، والتسريع لعقد مؤتمر الأطراف المتعاقدة في اتفاقيات جنيف الرابعة بدعوة الحكومة السويسرية، والذي سيقرر في الطرق المناسبة لإجبار إسرائيل على احترام أحكام اتفاقية جنيف الرابعة في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.
• رفع مستوى الوعي واتخاذ إجراءات فعلية لإنهاء الحصار الإسرائيلي غير القانوني على قطاع غزة.

--------------

الهوامش

  1. http://image.guardian.co.uk/sys-files/Guardian/documents/2009/09/15/UNFFMGCReport.pdf
  2. http://www2.ohchr.org/english/bodies/hrcouncil/specialsession/9/docs/A-HRC-S-91-L1.doc
  3. http://image.guardian.co.uk/sys-files/Guardian/documents/2009/09/15/UNFFMGCReport.pdf
  4. http://www2.ohchr.org/english/bodies/hrcouncil/specialsession/9/docs/UNFFMGC_Report.pdf
  5. http://www.badil.org/en/press-releases/50-press-releases-2009/1699-justice-delayed-is-justice-denied
  6. http://daccess-dds-ny.un.org/doc/RESOLUTION/LTD/G09/168/07/PDF/G0916807.pdf?OpenElement
  7. http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/C00AAE566F6F9D7485257664004CFF12
  8. http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N09/477/07/PDF/N0947707.pdf?OpenElement
  9. http://domino.un.org/UNISPAL.NSF/0/7d3f137e67d203ab8525770d005b7996?OpenDocument
  10. http://www2.ohchr.org/english/bodies/hrcouncil/docs/15session/A.HRC.15.50_en.pdf
  11. http://www.badil.org/en/badil-news/1683-story-1
  12. http://unispal.un.org/unispal.nsf/47d4e277b48d9d3685256ddc00612265/eb7608650c5309bb852577ad0069e713?OpenDocument