استعراض البرنامج وآليات العمل: رؤية تقييمية لفعاليات الذكرى الستين للنكبة

بقلم:تيسير نصر الله
شكّلت الذكرى الستين للنكبة محطة هامة من محطات العمل  الوطني الفلسطيني، وإعلان التمسك بحق العودة لفعاليات اللاجئين في مختلف اماكن تواجدهم. واستنفرت هذه الفعاليات طاقات قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني، لقناعة لديها أن قضية اللاجئين هي قضية الشعب الفلسطيني كله، وهي جوهر القضية الفلسطينية، ولا يجوز أن تترك مسؤولية الدفاع عنها فقط للاجئين وحدهم، رغم أنهم يشكلون رأس الرمح في الدفاع عن قضيتهم.

وكان نشطاء لجان حق العودة قد تداعوا مبكراً، مع بداية عام 2008، للاجتماع من أجل تشكيل لجنة وطنية لإحياء الذكرى الستين. بدأوا بالتحضير لذلك من خلال تنظيم زيارات لمختلف المحافظات للتشاور، وتشكيل لجان فرعية، لما تحمل الذكرى الستين من دلالات مهمة في إيصال رسالة واضحة المعالم للقاصي والداني تتمثل في أنّ الشعب الفلسطيني متوحد خلف قضاياه الوطنية، وفي المقدمة منها قضية اللاجئين. وكان التجاوب كبيراً من قبل لجان الدفاع عن حق العودة داخل الأراضي الفلسطينية وفي دول الشتات، حيث عمل الجميع كخلية النحل في تحديد البرامج والأنشطة، وعقد المؤتمرات، والاتفاق على البرنامج الاجمالي، وتحديد مساهمات الاعضاء المشاركين، من مؤسسات رسمية واهلية، ولجان شعبية، ومراكز ثقافية، وجمعيات خيرية، وشخصيات وطنية. وكان الكل يدرك أنّ الرسالة التي يجب أن تصل لصنّاع القرار في السلطة الوطنية الفلسطينية أن قضية اللاجئين لا يمكن القفز عنها أو تجاوزها، وإنه إن لم يكن بالإمكان ضمان حل عادل لها فالأفضل ترحيلها للأجيال القادمة، وأنّ الصراع سيبقى مستمراً مع الاحتلال الإسرائيلي ما لم تجد قضية اللاجئين حلاً لها وفق القرار 194. كما كان الكل مقتنعا بان الرسالة يجب أن تكون عالمية أيضا، حيث يلزم الكشف عن حقيقة وجه إسرائيل، أو حقيقة استقلالها، ولذا كان الحرص منقطع النظير على التواصل عالميا لإبراز أن استقلال إسرائيل ما هو إلا النكبة الفلسطينية؛ أي الجريمة المستمرة ضد الإنسانية.

واستطاعت اللجنة الوطنية أن تذلل كافة الصعوبات التي إعترضت طريقها سواءً تلك المتعلقة بتعددية اللجان التي تعمل في هذا الإطار، أو اللجنة الرسمية التي كان الرئيس أبو مازن قد كلفها بإحياء الذكرى الستين للنكبة وما رافقها من احتجاجات لوجود أعضاء فيها كانوا قد دخلوا في مبادرات مشبوهة مسّت حق العودة كأساس لحل قضية اللاجئين.

إنّ أهم ما ميّز إحياء ذكرى النكبة هذا العام هو حجم المشاركة الجماهيرية الواسعة في مختلف المحافظات وفي الخارج، وتعدد الفعاليات والأنشطة، واستمرارية إحياء ذكرى النكبة طيلة العام. ففي الأعوام السابقة كانت الفعاليات والأنشطة محدودة وكانت تقتصر على إحياء الذكرى في يوم النكبة والذي يصادف الخامس عشر من شهر أيار من كل عام. أما في الذكرى الستين للنكبة فقد تواصل عقد المؤتمرات في أكثر من مكان في العالم، كما وتنوعت الأنشطة وارتقت في مستوياتها كما في تنظيم مسابقة حق العودة التي أشرف عليها للعام الثالث على التوالي مركز بديل والتي حظيت هذا العام بإقبال كبير عليها، الأمر الذي أدى إلى تحقيق مستوى نجاح رائع تمثل في المشاركة الواسعة من مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية والجغرافية. لقد ظهر على الساحة نمط من التنافس الإيجابي بين المؤسسات والهيئات والمراكز واللجان في مجال تنظيم الأنشطة والبرامج، الأمر الذي عزز من تميز الذكرى الستين للنكبة عن سابقاتها.

إنّ التقييم الموضوعي لفعاليات النكبة لهذا العام كان إيجابياً، وما يدلل على ذلك هو حجم الإهتمام الرسمي الذي زار الخيمة التي نصبت في رام الله، وشارك في العديد من الفعاليات في مواقع مختلفة، والخطاب الذي ألقاه الرئيس أبو مازن في المناسبة، وكذلك حجم المشاركة الدولية في عواصم أوروبية وعربية، وفي أمريكا لدرجة أذهلت المتابعين.

يجب أن  لا يهدأ اللاجئون في طرح قضيتهم في كل المحافل، وأن لا يستكينوا، بل عليهم أن يواصلوا الهجوم والضغط، وإبراز الجوانب الانسانية فيها، وإظهار كل الجوانب القانونية فيها.

ولعله من المفيد هنا التأكيد على إنّ ما قامت به وسائل الاعلام المختلفة والقنوات الفضائية، وبالتحديد قناة الجزيرة على الصعيد الاعلامي يستحق التقدير والثناء، لقد كان عملاً مميزاً بامتياز، وازى في مستواه التغطية الاعلامية الإسرائيلية، بل وطغى عليها في بعض المواقع، واظهر عنصرية الاحتلال ووحشيته ومدى الجرائم التي ارتكبها ضد السكان الفلسطينيين الآمنين في بيوتهم عام 1948، الأمر الذي اقلق الساسة الإسرائيليين الذين اعتادوا أن يحتفلوا باستقلالهم بهدوء.

إنّ لجان الدفاع عن حق العودة ونشطاء اللاجئين والمراكز الثقافية واللجان الشعبية قد أثبتت أنها على قدر المسؤولية الوطنية، وأنها على جاهزية دائمة للرد على أية مواقف من شأنها المساس بقضية اللاجئين وحقوقهم، ولن تسمح لأي كان بتجاوزها أو القفز عنها تحت كل الظروف.

وفي الختام لا بد من توجيه كلمة شكر لكل هؤلاء المؤمنين بعدالة قضيتهم، المتمسكين بحقوقهم، القابضين على الجمر في هذا الزمن الصعب، وما هي إلا دعوة جديدة أوجهها إلى كل الأحرار للتكاتف واللقاء من جديد مع فعالية جديدة لترسيخ ثقافة حق العودة في عقول أبنائنا وأجيالنا القادمة إلى أن ننال حقنا بالعودة إلى ديارنا الأصلية وإستعادة ممتلكاتنا وتعويضنا عن كل سنوات المعاناة واللجوء طال الزمان أو قصر.

 --------------------
تيسير نصرالله:عضو المجلس الوطني الفلسطيني، عضو اللجنة العليا لإحياء ذكرى النكبة الستين، عضو مجلس ادارة بديل، رئيس مركز يافا الثقافي.