منذ زمن ليس بقليل، وفي أكثر من مناسبة، وعلى لسان أكثر من مسؤول، وبكلمات عدد كبير من الباحثين والمحللين وغيرهم، وعلى صفحات حق العودة أيضا؛ جرى تناول ما يسببه غياب إستراتيجية فلسطينية واضحة من خلل جسيم يتهدد الحقوق الوطنية الفلسطينية، بل ويهدد المساس بما أنجزه الشعب الفلسطيني خلال ثورته المعاصرة على كافة المستويات. وقد اجمع الكل بطريقة ما على أن الإستراتيجية الواضحة المنشودة تقتضي بداية وقبل كل شيء ضرورة مراجعة المرحلة بما في ذلك الفعل والموقف الفلسطينيين ضمن دائرة المفاعيل الدولية. منذ ذلك الحين لا زال الأمر الوحيد الثابت هو العودة إلى نفس الخطاب عبر الدعوة إلى مراجعة الإستراتيجية الفلسطينية حفاظا على مستقبل القضية والحقوق. والسؤال لماذا؟ هل لأننا لا نتذكر غياب الإستراتيجية الوطنية الواضحة إلا كلما صدمنا بصلابة وعنجهية الإستراتيجية الإسرائيلية – الصهيونية؟ هل هذا لأننا لا نملك إلا إستراتيجية "التلقي" و"الاستجابة" و "رد الفعل" لا أكثر؟

 

كل ذلك يؤكد، مرة أخرى بجلاء بيّن لا تشوبه شائبة أننا لا زلنا لا نملك إستراتيجية؛ بل اعتدنا فقط الانجراف في التلقي والاستجابة ورد الفعل. وكل ذلك لا يعني في المحصلة إلا شيئا واحدا: إننا مستسلمون "للمستجدات" "والمعطيات" والواقع بطريقة ما، أو على الأقل نلفظ أنفاسنا الوطنية الأخيرة من باب المكابرة، في حين عمليا نوغل في الانجراف في إستراتيجية اللا- إستراتيجية.

 

رغم أن دوامة مفاوضات العلاقات العامة ما بين مباشرة وغير مباشرة، أو مع استيطان معلن أو غير معلن، أو مع ضمانات أمريكية أو بدون...الخ تقع في صلب موضوع غياب الإستراتيجية، إلا إن الحديث هنا لا يقتصر على موضوع المفاوضات، بل يتجاوزها ليشمل كل الجوانب ومختلف المستويات. وأكثر من ذلك، يمكن القول أن الوصول إلى مفاوضات العلاقات العامة هذه ما هو إلا نتيجة لغياب الإستراتجية أصلا.

 

بالتدقيق وبمراجعة سريعة، يمكن الجزم إن الهبّات أو المبادرات أو الفعاليات أو المواقف و"الفزعات" هنا وهناك، عن هذا أو ذاك،  ليست هي بأي حال من الأحوال الإستراتيجية المطلوبة، هي في أحسن حال ردات فعل "مناسبية" غير مترابطة وغير متراكمة، ترضينا أحيانا معنويا، ولكنها لا تقدم ولا تؤخر عمليا.

 

فالحديث عن القرار الفلسطيني المستقل في ظل ما أصبح يعرف بلجنة متابعة المبادرة العربية وقراراتها بشأن المفاوضات، ليس ذي معنى (طبعا هذا لا يعني ان البديل هو الانقطاع عن الوطن العربي ودوله). والحديث عن قرارات الشرعية الدولية في ظل الانكشاف الغربي المنحاز لإسرائيل ظالمة أم مظلومة، صار مجرد لغو لا يغني من جوع، (طبعا البديل هنا لا يعني الدخول في مواجهة مع الشرعية الدولية). والحديث عن الوحدة الوطنية، وضرورات المصالحة في ظل تعميق أسباب الانقسام، أصبح مجرد ملاذ للتهرب من المسؤوليات (طبعا البديل لا يكون بإسقاط المصالحة الوطنية من جدول الأولويات). والحديث عن العمق والسند العربي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية... في حين أن الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين في الدول العربية مهضومة أو منتقصة، صار مستهلكا جدا، (طبعا هذا لا يعني أن البديل هو فتح مواجهة مع الدول العربية). والحديث عن المقاومة الشعبية السلمية، في ظل انعدام الفعل والأدوات، عمليا ينتهي بالتأقلم مع الاحتلال وظروف حالة الطوارئ الأمنية، (طبعا البديل ليس الانفلات أو المقاومة غير المنظمة). وغيرها الكثير من المسائل التي تتمحور عن نقطة واحدة ألا وهي أن مبدأ المحافظة على العلاقات الرسمية العامة يجب أن لا يكون بأي ثمن، بل يجب أن يؤسس على ويرتبط بالإستراتيجية الفلسطينية القادرة على حفظ الحقوق، وتحقيقها.

 

هيئة التحرير

 

أعد وحرر هذا العدد بالتعاون مع مركز حقوق اللاجئين-عائدون/ لبنان، ونخص بالشكر كل من الأستاذ جابر سليمان، ود .محمود العلي.