التغيير في الخطاب العالمي حول المسألة الفلسطينية

بقلم: فيليس بينيس*

لقد تغير الخطاب العالمي حول قضية فلسطين-إسرائيل بشكل سريع في السنوات الأخيرة، وهو مستمر في التغير؛ وتظهر هذه التغييرات أكثر وضوحا في دول الشمال، وهي مراكز الدعم الأعمى لإسرائيل، ويظهر هذا التغيير بقوة أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي المصدر الأكثر أهمية للدعم الأعمى للاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي في المجالات العسكرية، الاقتصادية، السياسية، الدبلوماسية والمعنوية.

ولكن عملية التحول – التي لا تزال جارية – في الخطاب العام لا تعني تحول تلقائي في السياسة، فديمقراطيتنا معيبة جدا. فبالنسبة للأمريكيين المؤيدين لحقوق الإنسان والقانون الدولي باعتباره أساسا للحقوق الفلسطينية، فإن ذلك يعني أن مهمتنا هي العمل على تحويل التغيير في الخطاب إلى تغيير في السياسة بما يخدم الحقوق الفلسطينية.

والسياق لهذا التغيير هو ما يدعو إليه المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويسميه بـ"حرب مشروعة". وهذه هي المعركة لاستعادة الشرعية التي تخسرها إسرائيل الآن، ومهمتنا الآن هي تصعيد الضغط بحيث يتم عكس الخوف من تحدي إسرائيل: مهمتنا هي إظهار أن تحدي ومناهضة الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يعد انتحارا سياسيا كما كان في السابق، بل هو بداية لمساءلة تل أبيب ومحاسبتها على انتهاكاتها؛ وانه سيصبح أيضا في القريب انتحارا سياسيا بالنسبة لأولئك السياسيين الذين لا يتحركون في هذا الاتجاه.

ونحن على مسافة بعيدة من هذا الواقع، ولكن التحولات واضحة بالفعل، حيث نرى أن مسئولين عسكريين وسياسيين كبار في الإدارة الأمريكية، ومن بينهم القائد العسكري الأعلى في وزارة الدفاع المسؤول عن الحروب والاحتلال الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان، الجنرال ديفيد بيتريوس؛ أصبحوا يدركون أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وبخاصة في ظل دعم الولايات المتحدة لإسرائيل والفهم العام المنتشر في المنطقة، أصبح يشكل تهديدا إستراتيجيا للمصالح الأمريكية ولقوات الاحتلال الأمريكي. وأشار استطلاع جديد للرأي بأن حوالي ثلثي (63%) من الديمقراطيين (حزب الرئيس أوباما) يوافقون على التصريح الذي يقول أن "المستوطنات الإسرائيلية تبنى على أراضي صودرت من الفلسطينيين، وينبغي تفكيكها وإعادة الأراضي لمالكيها الفلسطينيين". كما فشلت الجهود التي بذلها اللوبي المساند لإسرائيل، مثل "ايباك" وغيرها في حث أعضائه ومؤيديه للتصويت ضد أوباما – 78,8 من المصوتين اليهود صوتوا لصالح باراك أوباما. بينما لا زال هناك اعتراض على استخدام كلمة "أبارتهايد"؛ إلا أنها أصبحت جزءا مقبولا في الخطاب العام، كما باتت الحقوق الفلسطينية، ومن ضمنها حق العودة، حقوقا معترفا بها من قبل قطاعات أوسع بكثير. والحملة الأمريكية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهي الائتلاف الأوسع لمنظمات تعمل من أجل حملة مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها (BDS) وعلى جوانب أخرى من القضية الفلسطينية، لديها الآن حوالي 350 منظمة منتشرة في أنحاء الولايات المتحدة، ومن ضمنهم كنائس رئيسية، جماعات يهودية، جماعات سلام، جاليات الأمريكان-الأفارقة، طلاب، إضافة إلى طائفة واسعة من القطاعات الأخرى.

إن تعزيز حملة المقاطعة، في مجالي سحب الاستثمارات وجهود المقاطعة التي تستهدف الشركات المستفيدة من الاحتلال، وكذلك حملة فرض العقوبات التي تستهدف إنهاء الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل – جنبا إلى جنب تهدف إلى مراكمة لمساءلة الولايات المتحدة وإسرائيل ومحاسبتهما عما جرى ويجري في غزة؛ حيث لا يزال هدف إنهاء الحصار على رأس سلم أولوياتنا. إنها مرحلة سياسية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تعلمنا بأن علينا أن نعمل ونحشد، وأن نقوم بأفعال مختلفة أكثر من السابق. ولكن حتى في هذه اللحظة السياسية الجديدة، ظلت سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وفلسطين بدون تغيير؛ نعم إنها مختلفة، ولكن لا يزال أمامنا الكثير من العمل للقيام به.

-----------------------
* فيليس بينيس: المديرة التنفيذية لمشروع العالمية، معهد الدراسات السياسية، واشنطن، الولايات المتحدة.