المخيمات الفلسطينية بين الواقع والواجب

بقلم: غسان الشكعة*

عند الحديث عن المخيمات الفلسطينية، فإن ذلك يعني الحديث عن مأساة شعب وأمة كاملة. فمئات الآلاف الذين هجروا وشردوا من بيوتهم وأراضيهم في النكبة الاولى والثانية وطردوا من القمع والتنكيل، ليعيشوا مرارة الغربة وقسوة الحياة والظروف الجديدة التي وجدوا انفسهم مكرهين عليها، ويحملون الأمل بالعودة يوما ما الى ارضهم ووطنهم وبيوتهم، متوسمين الخير والأمل في القرارات الدولية ووعود الدول العربية لهم بتحرير فلسطين وعودتهم.

وتمر أكثر من ستين عاما وهم ينتظرون ليجدوا أن هذا الحلم محظور ومهدد أمام تحديات كبيرة ومتغيرات دولية وإقليمية لم تتركهم بحالهم كما هم، بل حاول الاحتلال الصهيوني تغيير الحقائق الثابتة من حيث الأعداد الحقيقية لهؤلاء اللاجئين، ثم بدأت بسياسة جديدة حيث هاجمت ودمرت مخيمات كثيرة في أماكن تواجدها مثلما حصل في مخيم تل الزعتر والباشا والدكوانة، وارتكبت المجازر فيها وشرد سكانها ضمن سياسة منظمة وممنهجة.

 

وإذا كانت هذه الاعداد من اللاجئين في بداية الأمر تعيش على مساعدات الجمعيات الخيرية في مناطق التواجد المختلفة، سواء في الدول العربية أو في الضفة الغربية وغزة قبل احتلالها عام 1967 من منطلق الضيافة والتعاطف مع هؤلاء كمنكوبين، فقد بدأت تتحمل مسؤولية مساعدتها في توفير المواد الاساسية وتطوير مساكنها من الخيام الى غرف الصفيح أو الاسمنت بقرار أممي من قبل وكالة الامم المتحدة لأغاثة وتشغيل اللاجئين وبدأت بتوفير الحد الأدنى من الخدمات التي تفتقر الى التنظيم ووسائل الحياة المناسبة للبشر.

وإذا نظرنا إلى طبيعة الحياة داخل المخيم الفلسطيني، سواء في الداخل أم في الشتات، نجد أن ساكنيه هم أصلا كانوا يشكلون شرائح ونماذج مختلفة من الشعب الفلسطيني، وأصبحوا بعد التهجير يسكنون في تجمع واحد اسمه المخيم، وشكلوا وحدة واحدة تعيش نفس الظروف وتحمل نفس الهموم، ليتطور المخيم بهذه الشرائح المختلفة ويصبح لاعباً أساسيا في حركة النضال الفلسطيني. ومع بداية الثورة الفلسطينية، أصبحت المخيمات البقعة التي يخرج منها الفدائيون والفدائيات، إذ سقط منهم الآلاف بين شهيدٍ وجريح دفاعا عن قضية فلسطين.

واليوم وقد مرت اكثر من ستين سنة على نكبة فلسطين، نجد أن المخيم لا زال مخيما، لم تتغير طبيعته الجغرافية كثيراً، والاهم من ذلك، أن اللاجئين الفلسطينيين لا زالوا لاجئين ولم يتحقق حلمهم في العودة بعد. نحن كمسؤولين قمنا قدر المستطاع، ولا زلنا نقوم، بتوفير الخدمات الأساسية للاجئين من شبكات كهرباء ومياه وصرف صحي، إذ عملنا قدر المستطاع على تحسين الوضع المعيشي داخل المخيمات واستبدال البنية التحية البدائية التي كانت أصلا تشكل وضعاً بيئياً وصحياً صعباً وغير إنساني، خاصة وأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين قد بدأت ومنذ سنوات بتقليص وتقنين المساعدات والخدمات المقدمة للاجئين على مستوى المساعدات التموينية والخدماتية من تعليم وصحة ومشاريع داخل المخيمات. فالمدارس التي أصبحت تكتظ بالطلاب لم تعد تستوعب الأعداد المتزايدة منهم، إضافة إلى أن الخدمات الصحية تدنت إلى مستوى كبير انعكست سلبا على مجمل حياة اللاجئين في هذه المخيمات. وبرأيي المتواضع، فأن هذه الفئة من المجتمع الفلسطيني يجب أن تحظى بنصيب كبير ومميز من الأهتمام والعناية.

من الناحية الاخرى، يجب أن توفر السلطة الوطنية وسائل مكملة لما أنتقص من حق سكان المخيم من حيث العلاج والمستشفيات التي بدأت فعلا" باتخاذ أجراءات تحدد أعداد المعالجين المحولين من قبل الوكالة، وتقضم من نسبة تغطية المساهمة في العلاج للمرضى. أما من الناحية التعليمية، فعلى سلطتنا الوطنية اتخاذ كافة التدابير لتشجيع التعليم في المدارس لأبناء اللاجئين للحد من التهرب من التعليم والسقوط في سوق البطالة.

وكوني كنت رئيساً لبلدية نابلس خلال فترة عشر سنوات، فقد كان هناك تعاون كبير بين البلدية واللجان الشعبية في المخيمات، وكنا نلتقي بهذه اللجان ونستمع لمطالبهم ونقدم أقصى ما نستطيع لسكان المخيمات ضمن حدود لا نتقاطع فيها او نتعارض مع السياسة الدولية التي تحكم ادارة المساعدات للمخيم. ففي مجال الخدمات اليومية من كهرباء ومياه ومكافحة القوارض، كانت خدماتنا للمخيم بنفس المستوى المقدم للمدينة إن لم تكن أكثر، وفي تلك الفترة ساهمت البلدية في استيعاب اعداد كبيرة من شباب وشابات المخيم في العمل لديها دون أن يكون هناك أي تحفظ أو قيود، بل على العكس كان الدافع الأكبر لنا هو الوضع الخاص لأبناء المخيم.

وأعود وأؤكد بأن دور السلطة المحلية (البلدية) تجاه المخيم دور أساسي، لكن هناك محاذير حساسة في هذا الموضوع، وهي أن المخيم وسكانه لهم وضع قانوني يجب أن لا يؤثر فيه أو عليه أي دور سواء أكان للسلطة المحلية أو السلطة الوطنية (الدولة)، فهؤلاء اللاجئون الذين يحكم وضعهم ثوابت وطنية أهمها حق العودة لبيوتهم وأرضهم المسلوبة، يجب أن لا ندع أي ثغرة قانونية تؤثر على هذا الوضع لكن ذلك لا يعني أن لا نقدم لهم ما عجز الأخرون عن تقديمه أو أن نقصر من قريب أو بعيد في أي حق من حقوقهم علينا، كمسؤولين وكسلطة ومواطنين.

----------------------
* غسان الشكعة: عضو مجلس وطني، مناضل فلسطيني، رئيس سابق بلدية نابلس، تعرض لمحاولة اغتيال بعد انتخابه لمواقفه الوطنية والقومية إبان فترة الحكم العسكري الإسرائيلي.