الفيلم الوثائقي (خطوات إلى صوبا): فكرة مبدعة وأداة فاعلة

 إعداد: مركز الطفل الفلسطيني/مخيم شعفاط

يقع مخيم شعفاط في أحضان القدس كشاهد على جريمة نكبة عام 1948 التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، وشعفاط هو المخيم الوحيد في مدينة القدس، حيث ولد أعضاء "مجموعة الكوفية الفلسطينية". ومجموعة الكوفية الفلسطينية هو الاسم الذي اختاره الأطفال المشاركون في برنامج تنمية وتدريب الناشئة لعام 2009-2010 الذي ينفذه مركز الطفل الفلسطيني بشراكة مع مركز بديل.

 يهدف البرنامج، والذي يستمر مدة عام إلى بناء جيل فلسطيني من أبناء اللاجئين تتراوح أعمارهم ما بين 13-17 عاما قادر على امتلاك معلومات موثقة ودقيقة عن القضية الفلسطينية، وجيل قادر على بناء قدرات ذاتية تكون رافداً للدفاع عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية على أساس مواثيق القانون الدولي والثوابت الوطنية. كما يهدف العمل مع هذه المجموعات الشبابية، من خلال هذا البرنامج، إلى ترسيخ ثقافة وطنية فلسطينية في أذهان وعقول الأجيال الناشئة، تساهم في الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري للاجئين الفلسطينيين، وتسلحهم بالعلم والمعرفة اللذين يمثلان شمعة النور التي تبقي الفلسطيني متشبثا بأرضه ووطنه، أمام أية محاولات يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي لطمس معالم فلسطين التاريخية وارث الشعب الفلسطيني، وإيمانه المقدس بحقه في العودة.

تتكون مجموعة الكوفية من 15 طفلاً من الجنسين، القاسم المشترك بين أبناء المجموعة حب الوطن والانتماء إليه. حلمهم، كباقي لاجئي الشعب الفلسطيني، يتمثل في العودة إلى قراهم الأصلية، واسترداد حقهم المسلوب، والعيش بكرامة في وطنهم. ومن خلال انتساب المجموعة لبرنامج تنمية الناشئة، وامتلاكها لمعلومات نظرية عن فلسطين التاريخية وخلفية تاريخية لنشوء الصراع الصهيوني- الفلسطيني والتهجير المستمر منذ عام 1948، ارتأى أعضاء المجموعة أن يقوموا بتنفيذ نشاطات ميدانية، من ضمنها زيارات للقرى المهجرة عام 1948، والقرى المهجرة في ضواحي مدينة القدس. وخلال عام 2009، قامت المجموعة بعدد من الزيارات إلى القرى الأصلية، وكان من بين هذه الزيارات، زيارة لقرية صوبا.

صوبا، قرية فلسطينية مهجرة، تقع إلى الغرب من مدينة القدس، وتبعد عنها حوالي 10كم، يرجع اسمها إلى الكلمة الآرامية (صوبا) والتي تعني الحافة. وصلت المجموعة إلى القرية في الصباح، كان شعور الأطفال مرهف، تعانق فيه الشوق الكبير بنسائم هوائها الفلسطيني. أدرك الأطفال في القرية، أن الأدراج والحقول التي زرعها الأجداد تحتفل بزيارة الجيل الجديد، على الرغم من الدمار الشاسع الذي ألحقته بها آلة الدمار والاحتلال، والعصابات الصهيونية. هذا المنظر جعل الأطفال يشعرون من جهة أخرى، أن القرية حزينة على من هجروا منها، وما زالوا بعيدين عنها، لكنها بقيت شامخة وصامدة، وبقايا بيوتها تحكي وجع النكبة ومرارة الاحتلال، وتحكي أيضا شوقها لأهلها وثقتهم بعودتها.

تجول الأطفال في رحلتهم إلى القرية، بين بيوتها باحثين عن الأثر الفلسطيني على ارض جميلة حرمتها سنين النكبة من الأهل والأحباب. شاهد الأطفال الصخور والأحجار المتبقية من آثار المنازل القديمة، شاهدوا قنوات المياه والري التي أنشأها الفلاحون الفلسطينيون لتساعدهم على ري أرضهم. الكلمات لا تستطيع وصف الموقع، فمن أراضي صوفا شاهد الأطفال قرى أخرى مهجرة تحيط بقرية صوبا، منها القسطل وبيت نقوبا وصطاف. وفي صوفا، أقام الصليبيون قلعة، هدمها صلاح الدين، وما زالت بعض آثارها قائمة إلى اليوم. كما أن بعض الأبنية ما زال قائماً، منها ما هو مسقوف، ومنها ما هو مدمر بشكل جزئي، حيث ما زالت الجدران والأسقف واضحة للعيان، ومنها ما هو مدمر كلياً لم يبق منه غير أجزاء بسيطة من أسس الجدران.

بعد زيارة صوبا، ومشاهدة ما حل بها، تكونت لدى مجموعة الكوفية فكرة مبدعة لبناء جسر للعودة للقرية، وزرعها في ذاكرة الناشئة. الفكرة المبدعة تمثلت في إنتاج فيلم تحت عنوان: خطوات إلى صوبا. الفيلم يحكي قصة الزيارة التي قامت بها المجموعة إلى القرية المهجرة، يعبرون من خلاله عن مدى انتمائهم إلى المكان الأصلي، وحبهم واشتياقهم إلى العودة إلى أراضيهم. يتعرض الفيلم إلى حكاية القرية، تاريخها ومبانيها القائمة والمدمرة. لقد اعتبره الأطفال خطوة جديدة نحو بناء ثقافة تشجع على العودة، ومحاولة جريئة للوقوف أمام محاولات طمس معالمها وأبنيتها، وسلاحاً يشهروه في وجه كل من يحاول أن يتنازل عن حقهم في العودة. كما أن الفيلم رسالة من الأطفال تعبر عن اعتزازهم بالماضي العريق، وان عمر النكبة وان طال، لن يجعلهم يتخلون عن حقهم في هذا المكان.

بعد إنتاج الفيلم، يقوم الأطفال بعرضه في المركز لمجموعات جديدة من الجيل الناشئ في المخيم، وبعرضه أثناء الزيارات التبادلية بين المؤسسات الشريكة في برنامج الناشئة. وبعد العروض، ينظم الأطفال بمساعدة المرشدين في المركز حلقات نقاش حول أحداث الفيلم، والفكرة من وراء إنتاجه. و خلال حلقات النقاش يتم تناول تاريخ القرية ومعالمها الأثرية لتسهيل وتعزيز بناء ثقافة العودة لدى الجيل الناشئ وبين مختلف الأجيال.