حكاية العراقيب
بقلم: رنين جريس وعمر اغبارية*
العراقيب جمع عرقوب، وأحد معانية هو التل الممتد بين الأودية. ويبدو أن هذا هو سبب تسمية المنطقة الواقعة في شماليّ النقب الغربي بهذا الاسم، فهو مناسب لتضاريس المنطقة وتعرجات الأرض التي تكثر فيها الأودية والتلال اللطيفة. تصل مساحة ارض العراقيب حسب بعض التقديرات إلى حوالي 100 ألف دونم تابعة لعدة عائلات وعشائر عربية سكنت فلسطين منذ مئات السنين.
خلال هذه الفترة الطويلة، كان لا بد أن تصبح العلاقة بين الأرض وأصحابها علاقة بديهية ومفهومه ضمناً ولا حاجة لإثباتها. عندما احتلت الحركة الصهيونية فلسطين وتنفيذا لسياستها الاستعمارية "أكبر مساحة من الأرض، أقل عدد سكان". واستعملت وسائل عديدة لتحقيق هذا الهدف، ففي النقب على سبيل المثال طردت الحكومة الإسرائيلية أكثر من 85% من سكان النقب الفلسطينيين الذين ملكوا مئات الآلاف من الدونمات. وما زالت تلاحق المواطنين الفلسطينيين الباقين، وتضيق عليهم في مساكنهم ووظائفهم وأراضيهم. وما زالت تحاول الاستيلاء بالقوة على ما تبقى من ارض النقب بأيدي أصحابها، وتطالبهم، لتجنب المصادرة، أن يثبتوا ما هو مفهوم ضمناً، وما هو بديهي.
نحن نسكن أباً عن جدّ في العراقيب منذ زمن العثمانيين حتى عام 1948. سكنت في العراقيب عدة عائلات وعشاير. عائلة الطوري ومنها عشاير أبو مديغم وأبو زايد وأبو جابر وأبو فريح، عشيرة العقبي، حمولة أبو صيام، حمولة ابن برّي. عائلة أبو الحسن سكنت شرقي أرض أبو صيام. وعشيرة العلامات التي هجرت إلى الأردن ولم يسمح لها بالعودة. وقسم من القريناوي.
تواجد في النقب عام النكبة حوالي 110-115 ألف فلسطيني، بقي منهم بعد التهجير حوالي 13 ألف نسمة فقط. في العراقيب كان حوالي 1000 شخص بقي منهم 500 تقريباً. وفي عام 1949 أصدر ابراهام شيمش الحاكم العسكري في منطقتنا أمرا بتركيز البدو في مناطق سكنية متقاربة. بعد ذلك طلب الشيخ سلمان الهزيل – الذي بقي في النقب – من أبرهام شيمش ومن شخصيات يهودية أخرى أن يسمح لبعض الحمائل بالرجوع واحترامهم. فرجعت قسم من الحمائل إلى العراقيب كعائلة العقبي والطوري.
1950:
عام 1950 طلبت "الدولة" من أصحاب الأراضي أن يحددوا أراضيهم. كل من كان يحمل عقد بيع/شراء كان يعرضه. كان محامي من قبل "الدولة" أسمة تسوكرمان.
لكن عام 1951 طلب الحاكم العسكري إخلاء أرض العراقيب لصالح تدريبات عسكرية. قال إن الأمر سيستغرق ستة شهور. صدق الناس أقوال الدولة. رحـّلوا قسماً من الناس إلى منطقة حورا وعتير. ورحـّلوا عائلات الطوري وأبو صيام وابن بري إلى شمال وادي الفخاري. غير بعيد من هنا.
1954:
عام 1954 أعطت الدولة الأرض لشركة يهودية. نحن سألنا كل الوقت عن أراضينا ولكن "الدولة" تجاهلتنا.
1973:
في سنوات السبعينات تقدم أبناء العشيرة وأبناء العراقيب بدعاوى للاعتراف بملكيتهم على أراضيهم ضمن ما سمي "تسوية الأراضي" ولكن لم يتم حتى اليوم البت بالأمر وبتسوية موضوع أراضي عرب النقب. وعن هذا حدثنا الشيخ صياح الطوري: " في عام 1973 ذهبت مع والدي وأعمامي لتسجيل الأرض. حددوا الأرض وسجلوا أن لعائلة أبو مديغم 1600 دونم، منها 1000 دونم لنا و 600 دونم لأولاد عم والدي. مرّ الوقت ولم يطرأ أي جديد في الموضوع. صرنا نسأل متى سيـُبتّ في الموضوع؟ ولكن لم نسمع أجوبة".
1980 – 1999:
في شتاء سنة 2000/2001 جئنا وحرثنا الأرض وزرعناها. بدون أي تنسيق مع أحد. بعد أن نبت القمح جاءت طائرات ورشت الأرض بمواد سامة وأبادت القمح. كذلك في سنة 2001/2002، وسنة 2002/2003. وسنة 2003/2004 زرعنا بالشتاء وكذلك بالصيف زرعنا البطيخ والذرة. ولكنهم كانوا يبيدون كل ما زرعناه. بعد ذلك تدخلت منظمة عدالة وساعدتنا. تقدمت بدعوى في المحكمة ضد رش المزروعات وفعلاً حصلنا على أمر من المحكمة يمنع أي جهة من استعمال هذه المواد السامة لأنها مضرة بالأرض والنبات والحيوان والإنسان. كانت هذه مادة "راوند أب" [ Round up].
2002:
عن عودته إلى العراقيب حدثنا الشيخ صياح الطوري: عام 2002 انتقلنا للسكن هنا على أرضنا. رغم أن "الدولة" تمنعنا من ذلك. دائرة أراضي إسرائيل قدمت ضدنا شكوى بادعاء أننا نتسبب بضرر لأراضي وأملاك "الدولة". معنا إثباتات أن هذه الأرض هي أرضنا. معنا صور جوية من سنة 1936 وسنة 1945 تثبت أننا كنا نسكن على الأرض ونفلحها وأنها ليست أرض "موات" كما تدعي "الدولة". معنا أوراق دفع ضرائب من سنة 1922. معنا كوشان ملكية "طابو" بريطاني. وعندنا مقابرنا المستعملة من أيام العثمانيين. "الدولة" تطاردنا بعدة مؤسسات. مرة تأتينا دائرة أراضي إسرائيل ومرة "الكيرن كييمت" ومرة الدورية الخضراء ومرة سلطة المحميات الطبيعية. اليوم نحن هنا في العراقيب حوالي 30 عائلة، ولن نترك أرضنا. أرضنا هي هويتنا. أنت تعتقد أن هذه البطاقة هي الهوية. هذه مجرد ورقة ورخصة للتنقل. اليوم حتى الكلاب لها رخصة وأوراق.