بقلم: مهند العزة*

إن الفن لغة انسانية مشتركة، لا تعترف بحدود ولا حواجز. هي جسر بين الشعوب والامم لا يحتاج الى من يفسره، بل هو وسيلة للتغيير عندما يكون في الطريق الصحيح، وهو أيضا فعل مقاوم يصبح اكثر تاثيرا بجوار غيره من وسائل المقاومة.

ان احد رموز التمييز العنصري الحديث وابشعها هو جدار الضم والتوسع او جدار الفصل العنصري او جدار العار، الذي أصبح من جهة لوحات فنية مختلفة، ومن جهة أخرى موقع إعلانات أو لوحة اعتذارات للمحبين. وهذا بالطبع أدى إلى إلغاء لونه الأصلي (اللون العسكري القبيح)، وأصبح مؤخراً موقعاً لمجموعة من الرسومات المختلفة لفنانين فلسطينيين ومتضامنين اجانب.
ولكن هنا وقعنا في الخطأ من وجهة نظري. حيث أن الفنانين والمتضامنين زخرفوا وزينوا الجدار والغوا لونه القبيح، لقد كان الأجدر بهم أن يتركوا الجدار بلونه الأصلي القبيح، اللون الرمادي السيئ، واللون العسكري الذي يعتبر شكلاً او رمزا من رموز الاحتلال الاحلالي، وحتى يبقى الجدار شاهداً حياً على وحشية هذا الاحتلال.
لقد تم جرنا إلى هذه النتيجة التي بالطبع يرغبها الاحتلال حتى يصبح تركيزنا وتركيز العالم وكل من يشاهد الجدار على الرسومات وانواعها وألوانها، لا على الجدار كرمز من رموز الاضطهاد والعزل العنصري.
 
عملت حكومة إسرائيل عل تغيير شكل الجدار من الناحية الاخرى "من جهة فلسطين التاريخية" بزراعة الاراضي والرسومات وغيرها، حيث لا يدرك المرء في أكثر من مكان أن وراء الرسم الزاهي، أو وراء المزروعات الخضراء يقف الجدار الأسمنتي الذي يقطع أوصال الأرض، وينتصب حاجزا بين البشر والقلوب. وعلى الجهة الأخرى من الجدار، أعطى الاحتلال الحرية للآخرين بالعمل عليه وتغييره وتغيير شكله القاسي، واعتقد أن اللوحات الجدارية المرسومة على الجدار، حتى لو جاءت احتجاجا كما يقال أو يراد لها، فإنها ستؤول في النهاية إلى تغيير وجه الاحتلال القبيح من جهة، والى خلق حالة تآلف او تأقلم مع ادوات الاضطهاد (الجدار/الفصل العنصري).   
نذهب إلى الجدار هذه الأيام، ونبدأ في مشاهدة الرسومات أو الأشكال ونعمل نقاش عليها، ولمن تعود هذه اللوحة ومن الرسام صاحبها، وهل هذا العمل لـِ "بانكسي" ام لغيره، لكننا ننسى حجم وشكل ووجود الجدار وتأثيره ولو حتى للحظة.
 
لا تجملّوا جدار الفصل العنصري:
 
الفنان الفلسطيني صمد وقاوم وتحدى الاحتلال للنهوض بالفن وتصوير الواقع كغيره من فنانين العالم الثوريين، فعندما نتذكر "ديجو وفريدوا" الزوجين المحبين المكسيكيين ودورهم في الدفاع عن الثورة المكسيكية وطرد الاحتلال من بلادهم، ودفاعهم عن الهنود الحمر السكان الاصليين في المكسيك قبل الغزو، نرى أيضا " اسماعيل شموط وتمام الاكحل " وهم يرسمون للمقاومة والحب والثورة والوطن.
 
كما نرى "ناجي العلي" بأبقونة حنظلة وتمرده على الواقع ورفضه للظلم والاحتلال، وارسال رسالة اللاجئين "للعودة " كما هي لوحة بيكاسوا " الجرينيكا " والتي صور فيها تدمير هذه القرية في منطقة الباسك على يد القوات الالمانية ورفض حكم فرنكوا. تمرد ورفض للظلم، وكثيرون هم المبدعون والفنانون الذين تعرضوا للقمع والتضييق وهجمة شرسة من قبل الاحتلال، حيث تعرض كثيرين للاعتقال ومصادرة أعمالهم وحظرها.
 
وبكلمة الفن هو شكلمن أشكال الصمود والمقاومة، فلا نريد أن يفقد الفن بوصلته واتجاهه ...
-------------------
* مهند العزة: فنان فلسطيني وعضو في مركز بيت جبرين الثقافي/حنظلة