قراءتي لكتاب "التطهير العرقي في فلسطين" دفعتني لإعداد السطور التالية، وتدعوني لدعوة القارئ العربي لقراءته فهو وثيقة رائدة صادقة تكشف حقيقة النكبة وأسبابها ووقائعها، ويحتوي على سيل من المعلومات الهامة التي تثري المعرفة وتدفع للمزيد من العمل لصالح القضية الفلسطينية.تكمن أهمية الكتاب، بالإضافة إلى قيمته العلمية، انه جاء بقلم مؤرخ وكاتب يهودي- اسرائيلي ومحاضر رفيع المستوى في العلوم السياسية في جامعة حيفا، شغل منصب المدير الأكاديمي لمعهد غفعات حبيبا لدراسات السلام، ورئيس معهد أميل توما للدراسات الفلسطينية في حيفا.
 
يقول الكاتب تحت عنوان شكر وعرفان:
هذا الكتاب ليس مكرساً رسمياً لأحد، وقد كتب أولا وقبل كل شيء من اجل الفلسطينيين، ضحايا التطهير العرقي في سنة 1948، وكثير منهم أصدقاء ورفاق، وكثيرون غيرهم أجهل أسمائهم، لكن منذ يوم عرفت عن النكبة رافقتني معاناتهم وفقدانهم وآمالهم.  وعندما يعودون فقط سأشعر بأن هذا الفصل من النكبة بلغ أخيرا النهاية، التي نرجوها، والتي من شأنها أن تتيح لنا جميعاً العيش في سلام وانسجام في فلسطين.
 

    
هذا العمل الرائد الصادق يلقي ضوءاً جديداً على أصول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتطوراته، ويبرهن الكاتب، بكل أمانة مستنداً على وثائق ومواد أرشيفية أفرج عنها مؤخراً بصورة لا تقبل الجدل، أن التطهير العرقي كان منذ بداية الصراع جزءاً لا يتجزأ من خطة رسمت بعناية فائقة، وان هذا التطهير العرقي العنصري لشعب بكامله هو الأساس للصراع المستمر الى الآن في المنطقة، وسيبقى هذا الصراع مستمراً حتى يعود الحق إلى أصحابه.
  
مقدمة الكتاب: البيت الأحمر

يذكر الكاتب أنه في عصر يوم الأربعاء (10 / آذار ) من عام (1948 ) اجتمع أحد عشر رجلاً في المبنى الأحمر في تل أبيب وهم قادة صهاينة قدامى ووضعوا اللمسات الأخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقياً. وفي مساء اليوم نفسه صدرت الأوامر الى الوحدات على الأرض بالاستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين من أرضهم، وأرفقت الأوامر بوصف مفصل للأساليب الممكن استخدامها لطرد الناس بقوة: إثارة الرعب واسع النطاق ، محاصرة وقصف قرى والمراكز السكانية، حرق المنازل والأملاك والبضائع، الطرد، هدم البيوت، وأخيراً زرع ألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم. وتم تزويد كل وحدة عسكرية بقائمة تتضمن أسماء القرى والأحياء المحددة كأهداف لها في الخطة الكبرى، وعرفت هذه الخطة بالخطة (د). وتمثل ملخص الخطة (د) في وجوب ترحيل الفلسطينيين، وتدمير المناطق الفلسطينية الريفية والحضرية على السواء.

استغرق تنفيذ هذه الخطة ستة أشهر، ومع اكتمال التنفيذ كان أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين، أي ما يقارب ( 800000 نسمة) قد اقتلعوا من أماكن عيشهم، و(531 قرية ) دمرت، و(11حياً مدنياً ) أخلي من سكانه. إن تنفيذ هذه الخطة يشكل مثالاً واضحاً جداً لعملية تطهير عرقي، هذا الفعل الذي يعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية؛ أي جريمة حرب يجب محاكمة كل من شارك في تنفيذها.
                                                                                                                       
الفصل الأول: تحت عنوان تطهير عرقي مزعوم

تحدث الكاتب عن التطهير العرقي، وأن الغزاة استخدموه وطبقوا مضمونه بمنهجية عالية ضد السكان الأصليين منذ زمن التوراة حتى زمن أوج الاستعمار. ويهدف الطرد الى ترحيل أكبر عدد من السكان، بكل الوسائل المتاحة. وذكر المؤلف عدة تعريفات للتطهير العرقي وكلها تقريباً تتشابه بانه طرد جماعي واسع النطاق يتم بالقوة على خلفية دينية أو عرقية أو سياسية... الخ.     

وإن التطهير العرقي يعتبر في المعاهدات الدولية جريمة ضد الإنسانية يجب أن تخضع للمحاكمة بموجب القانون الدولي، وإن مرتكبي هذه الجريمة هم مجموعة معروفة تبدأ من بن غوريون وزملائه أمثال: يغئيل يادين، وموشيه ديان، ويغال آلون، ويتسحاق ساديه. ويذكر الكاتب أسماء بعض الضباط الذين قادوا عمليات تطهير في المدن الفلسطينية، كاللد والرملة وصفد والجليل.

ويستغرب الكاتب كيف تم اسقاط جريمة التطهير العرقي في فلسطين من الذاكرة العالمية الجماعية ومحو هذه الجريمة من ضمير العالم، وكيف تم تجاهل هذه الجريمة مع وجود مراسلين صحفيين أجانب ومراقبين تابعين للأمم المتحدة.

 الفصل الثاني: نحو دولة يهودية حصراً

يتحدث الكاتب تحت عنوان "نحو دولة يهودية حصراً" عن الدفاع الصهيوني الأيديولوجي عن التطهير العرقي في فلسطين والسعي لإقامة دولة يهودية في فلسطين. وقد استغلت الصهيونية الأساطير التوراتية حيث أن التراث والدين اليهوديين يأمران اليهود بانتظار مجد المسيح المنتظر في نهاية الزمن. وهذا دفع المفكرين والقادة الصهيونيين للمطالبة بالأرض التوراتية، واستحضارها أو بالأحرى اختراعها تمهيداً لحركتهم القومية الجديدة، واعتبروا فلسطين أرضاً خالية من السكان، وان السكان الأصلين في نظر الصهاينة كائنات غير مرئية.

ويذكر الكاتب أن شعب فلسطين كان حاضرا ًومتحضراً، ثم استعرض الكاتب التحضيرات العسكرية للتطهير العرقي، حيث تم تشكيل عصابات مسلحة ومنظمات يهودية عسكرية. وبدأت الاستعدادات العسكرية، وفتح ملفات للسكان وللقرى الفلسطينية، وجمع المعلومات اللازمة لعملية الاحتلال والطرد، وتبنى هذا وذلك الصندوق القومي اليهودي الذي أنشئ في سنة (1901 )، وهو الأداة الصهيونية الرئيسية لاستعمار فلسطين وكان بمثابة الوكالة التي استخدمتها الحركة الصهيونية لشراء الأراضي الفلسطينية لتوطين اليهود فيها. ومن الشخصيات الهامة التي كان لها دور كبير في إنشاء الوطن الصهيوني ديفيد بن غورين اليهودي البولندي الذي كان له دور في تقرير مصير الفلسطينيين وطردهم من أرضهم أمام اعين السلطات البريطانية المنتدبة على فلسطين وبموافقة منها.

          
الفصل الثالث: عنوان التقسيم والتدمير: قرار الأمم المتحدة 181 وتداعياته


تبنت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في 29 / تشرين الثاني / من عام 1947، ولقي هذا القرار مقاطعة شاملة من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتم رفض هذا القرار لأنه يعني تقاسم الأرض مع جماعة من المستوطنين والدخلاء.

أما بن غوريون فقد فرح لرفض العرب قرار التقسيم ولرفضهم التعاون مع الأمم المتحدة فكان يقول للمقربين منه: "لا توجد حدود إقليمية للدولة اليهودية". وقد قام مع أعضاء الهيئة الاستشارية بوضع خطة لطرد مليون فلسطيني بغض النظر عن مكان وجودهم في البلد، وقال بن غوريون في احد الاجتماعات: "إن المجتمع اليهودي سيضطر الى أن يحمي لا مستوطناته فقط، بل البلد بأسره ومستقبلنا القوي".

الفصل الرابع: بلورة الخطة الرئيسة


يبين الكاتب كيف بدأ التطهير العرقي بالقيام بسلسلة من الهجمات اليهودية على قرى وأحياء عربية في المدن. كانت الهجمات عنيفة بما يكفل التسبب بترحيل عدد كبير من الناس نحو 75000 نسمة، حيث بدأت هذه العمليات في أوائل شهر كانون الأول من عام 1947، وهدفت هذه العمليات إلى طرد السكان الأصليين وإزالة الصبغة العربية عن فلسطين، وضمان التهيئة لهجرة يهودية مكثفه الى فلسطين.

وفي هذا الفصل تطرق الكاتب انه من دون جيش الأردن (الفيلق العربي ) لم يكن لدى العالم العربي قدرة جدية على الدفاع عن فلسطين أو على إحباط الخطة الصهيونية لإقامة دولة يهودية في فلسطين على سكانها (ص :53 ).

لضمان نجاح خطة التطهير العرقي تم بناء قدرة عسكرية يهودية ملائمة كي يتم تحقيق الاستيلاء على معظم فلسطين وطرد السكان من أرضهم ولصد أي هجمات عسكرية محتملة من طرف القوات العربية.

من الشخصيات التي لها دور هام في قيام الكيان الصهيوني  إلياهو ساسون وهو يهودي من سوريا، وكان دوره الرئيسي التحريض وإتباع سياسة "فرق تسد " داخل المجتمع الفلسطيني، الأسلوب ذاته كان وراء إنشاء روابط القرى بعد حرب عام 1967 في مطلع الثمانينيات لتكون بديلاً عن قيادة منظمة التحرير، لكن هذه الروابط  انتهت لكشف حقيقتها بالفشل.

يستعرض الكاتب بعض العمليات العسكرية على قرى ومدن فلسطينية منها: الخصاص، حيفا، بلدة الشيخ، نسف مبنى السرايا في يافا، نسف فندق سمير أميس في القطمون، قيسارية، خربة البرج، دالية الروحاء، سعسع، قيرة، وغير ذالك .

الفصل الخامس: مخطط التطهير العرقي:الخطة دالت (د)

ركز بن غوريون عمله على تنفيذ خطة التطهير العرقي ومقاومة المحاولات العربية لمنع اليهود من الاستيلاء على فلسطين، معتمداً على قدرة القوات اليهودية، بدأ تنفيذ خطة تطهير فلسطين من سكانها- الخطة دالت (د) – أوائل شهر نيسان من عام 1948م. وقد حددت الأوامر العسكرية لتنفيذ الخطة وهي تدمير القرى العربية وطرد سكانها كي يصبحوا عبئاً اقتصادياً على القوات العربية العامة.

يستعرض الكاتب كيفية احتلال القسطل واستشهاد عبد القادر الحسيني، ومذبحة دير ياسين وما جرى فيها من جرائم قتل، وتدمير للبيوت، واغتصاب حيث يذكر ان عدد الشهداء قد بلغ "170 شهيدا من بينهم 30 طفلاً" (ص 101، 102). وكذلك يبين كيف تم احتلال قالونيا، ساريس، بيت سوريك، بدو، وكيف تم نهب محتويات البيوت بعد تدمير هذه القرى.

كما وتضمنت الخطة دالت(د) تدمير المدن الفلسطينية واحتلالها بعد مجازر بشعة كما حدث في طبرية، حيفا، عكا، بيسان، يافا. ويذكر الكاتب كيفية تنفيذ الهجمات العسكرية على هذه المدن والمجازر البشعة التي ارتبكت ضد السكان الأبرياء  ، ويبين الدور التآمري للبريطانيين وكيف صمتوا على هذه الأعمال الوحشية، بل إنهم ساعدوا في تدريب العصابات الصهيونية وسلحوها لكي تستطيع إن تقوم بهذه الأعمال ضد الشعب الفلسطيني.

ويبين الكاتب في الفصل الخامس كيفية طرد الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه على يد العصابات الصهيونية وان هذا الشعب قاوم المحتل الغاصب بكل ما لديه من قوة وإرادة، لكن نقص السلاح في يد أبناء الشعب الفلسطيني جعله فريسة سهلة للعصابات الصهيونية، وانه لم يتخل عن أرضه، ولم يهجر وطنه طوعاًً، كذلك يبين الكاتب دور جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، وصموده رغم قلة الإمكانيات.

الفصل السادس:الحرب المزيفة والحرب الحقيقية على فلسطين: أيار / مايو 1948

يذكر المؤلف أن رئيس هيئة أركان الجيش العربي الأردني غلوب باشا سمى حرب 1948 في فلسطين بالحرب المزيفة، لأنه كان يعلم بخفايا الأمور والتحالفات السرية بين العرب واليهود وان الاستعدادات العربية العسكرية لم تكن جدية، وإنها مثيرة للشفقة. ولم تكن بالصورة المطلوبة للدفاع عن فلسطين أرضاً وشعباً، لكن صاحب هذا ضجيج إعلامي وقرع لطبول الحرب.

الجيوش العربية التي جاءت لفلسطين من مصر وسوريا والعراق كان ينقصها السلاح والتموين والتدريب والقيادة المخلصة، فهزمت شر هزيمة أمام القوات العسكرية الصهيونية. ويعود سبب قلة السلاح عند هذه الجيوش إلى امتناع بريطانيا وفرنسا عن تزويد العرب بالسلاح، أما القوات الصهيونية فقد وجدت في الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية الدائرة في فلكه مزوداً راغباً في إمدادها بالسلاح.

احتلت القوات الصهيونية عشرات القرى الفلسطينية وطردت أهلها خاصة القرى الواقعة في المنطقة الممتدة بين تل أبيب وحيفا. وارتكبت القوات الصهيونية عشرات المذابح منها مجزرة الطنطورة في 22 أيار عام 1948، والتي قام بها لواء الكسندروني وغيره من الويه الجيش الاحتلال كلواء هرئيل وجولاني وغيرها.

الفصل السابع: تصاعد عمليات التطهير: حزيران / أيلول 1948


في بداية حزيران كانت قائمة القرى التي مسحت من على وجه الأرض كثيرة: نجد، برير، سمسم، المحرقة، هوج وغيرها. ويذكر ان شارون قد بنى منزله ومزرعته على ارض قرية هوج على مساحة تقدر ب 5000 دونم. في 5 حزيران احتل الصهاينة قريتي يبنة وقاقون، وتم حرق بيوت فلسطينية لعدم وجود مادة الديناميت، وتم إشعال النار في حقول وبقايا القرى الفلسطينية التي هوجمت، لمنع السكان من العودة الى بيوتهم، وكذلك قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف بعض العواصم العربية. ويذكر الكاتب أن القتال بين الصهاينة والعرب امتد طويلا لثبات المتطوعين العرب وبصورة خاصة القادمين من مصر رغم عتادهم الهزيل وقلة التدريب.

أعلنت الهدنة الأولى في 8 حزيران 1948، وخلالها قام الجيش الإسرائيلي بعمليات تدمير هائلة لعدد من القرى التي تم طرد سكانها، وتم احتلال منطقة الجليل ومناطق كثيرة أخرى، وانتهت الهدنة الأولى في 8 تموز 1948.

وما بين الهدنة الأولى والهدنة الثانية والتي أعلنت في 18 تموز 1948، طردت القوات الإسرائيلية سكان مدينتي اللد والرملة البالغ عددهم 70,000 نسمة. وكذلك احتلت بعض القرى الواقعة في الجليل الغربي، واحتلت قرى طيرة حيفا، وكفر لام، وعين حوض، واجزم، وعين غزال، وحطين.

انهار ما سمي بالهدنة الثانية، بسبب استمرار العمليات العسكرية للقوات الصهيونية. فحتى بعد إعلانها لم تحترمها القوات الصهيونية، ففي الأيام العشرة الأولى منها احتلت القوات اليهودية قرى رئيسية كثيرة تقع شمال حيفا وجنوبها منها: الدامون، عموتس، تمرة، كابول، معار. واستمرت عمليات الجيش الإسرائيلي في شهر آب لتطهير المنطقة واحتلال جميع المدن والقرى الفلسطينية لأن القيادة السياسية كانت تطمع أن تقيم الدولة اليهودية في معظم أرجاء فلسطين، رغم وجود مراقبي الأمم المتحدة الذين جاؤوا لمراقبة تنفيذ الهدنة.

الفصل الثامن: انجاز المهمة: تشرين الأول 1948 –  كانون ثاني 1948

حتى بداية شهر تشرين الأول بقيت أجزاء من الجليل الشمالي تحت سيطرة المتطوعين الفلسطينيين المعززين بجيش الإنقاذ، لكن هؤلاء لم يكونوا يملكون سلاحاً حديثاً، وتم القضاء على مقاومة هؤلاء في هجمات قامت بها القوات الصهيونية في منتصف الشهر تحت اسم ( عملية حيرام )؛ و حيرام هو ملك صور كما تذكره التوراة، وكان الهدف من هذه العملية التوسعية احتلال الجليل الأعلى والجنوب اللبناني. اتسمت عملية حيرام بالوحشية والقسوة حيث استعملت فيها الطائرات وكان القصف الجوي عنيفاً وواسع النطاق، وانتهت باحتلال معظم القرى في الجليل الأعلى في يوم واحد . وارتكبت خلالها القوات الصهيونية جرائم حرب ضد أهالي القرى المحتلة، والقتل الجماعي وتدمير البيوت ، وطرد النساء والأطفال ممن بقي حياً. وبعد ذلك قام الجيش الإسرائيلي بالتخلص مما تبقى من بعض القرى مثل: اقرت ، كفر برعم، والغابسية .

ونهجت إسرائيل سياسة معارضة ومنع عودة اللاجئين إلى ديارهم حيث قامت بتدمير جميع القرى التي تم طرد سكانها منها وتم تحويلها الى مستعمرات يهودية أو الى غابات طبيعية، واتبعت سياسة مقاومة الضغط الدولي المتنامي على إسرائيل للسماح بعودة اللاجئين.

 المرحلة النهائية من مرحلة التطهير العرقي بدأت في شهر تشرين الأول 1948 واستمرت حتى صيف سنة 1949، وراقب هذه العملية مراقبو الأمم المتحدة، وكتبوا إلى الأمين العام للأمم المتحدة: "إن السياسة الإسرائيلية تمثلت في اقتلاع العرب من قراهم الأصلية الفلسطينية بالقوة والتهديد" ومع كل هذا لم تصدر الأمم المتحدة قراراً يدين التطهير العرقي مع أنها أصدرت قراراً بتقسيم فلسطين.

في شهر تشرين الثاني تم طرد القوات المصرية من ارض فلسطين، وواصل الإسرائيليون احتلال الجنوب الفلسطيني منطقة النقب واستمروا بالتوجه جنوباً حتى ميناء ( أم الرشراش ) على البحر الأحمر والتي هي اليوم إيلات، وتم احتلال بئر السبع وتم طرد كثير من القبائل البدوية من أراضيهم.

الفصل التاسع: الاحتلال ووجهه القبيح

بعد أن استكملت إسرائيل من حيث الجوهر تطهير فلسطين عرقياً فإنها وضعت من تبقى من الفلسطينيين تحت الحكم العسكري، واستمرت بنهب البيوت، ومصادرة الحقول، والاعتداء على الأماكن المقدسة. وانتهكت إسرائيل حقوقهم الأساسية، كحق الحركة والتعبير والمساواة أمام القانون. يذكر المؤلف كيفية إجراء الاعتقالات ضد الفلسطينيين وكيفية التحقيق معهم بوحشية حتى القتل، وكيف كان يتم استغلال السجناء الفلسطينيين في معسكرات العمل لتقوية الاقتصاد الإسرائيلي وقدرات الجيش، في ظروف غير إنسانية كالعمل في مقالع الحجارة، وحمل الأحجار الثقيلة. تحدث الكاتب عن عدة جرائم اغتصاب كان أبشعها اغتصاب فتاة في الثانية عشرة من عمرها، على يد مجموعة من الجنود قاموا بقتلها بعدما انتهوا منها. ثم تحدث عن مصادرة أموال الشعب الفلسطيني من المصارف والمؤسسات التي استولت عليها السلطات الإسرائيلية بعد أيار عام 1984.              

وتحدث الكاتب أيضا عن تدنيس الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية وضرب عدة أمثلة على تحويل مساجد الى خمارات أو مزارع للأبقار أو حدائق عامة.

سرقة الأرض: 1950ـ2000


 تحدث الكاتب عن القرارات الصادرة عن الكنيست وعن المؤسسات الإسرائيلية الأخرى لسرقة الأرض الفلسطينية تحت ذرائع شتى وحجج واهية، وكل هذه القرارات الباطلة جاءت للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. والأبشع من كل هذا هو سرقة الأسماء وتحويل الأسماء العربية للمواقع إلى أسماء عبرية، وهذا محو للهوية الفلسطينية لتثبيت الزعم بيهودية فلسطين بطريقة غير مباشرة ومزيفة.

الفصل العاشر: محو ذكرى النكبة


أسس الصهاينة لجنة عرفت باسم لجنة التسميات الرسمية مهمتها إطلاق أسماء عبرية على الأراضي والأماكن التي كان اليهود يشترونها أو يحتلوها بالقوة خلال النكبة، وهذا تزوير للجغرافيا وللتاريخ، ولإخفاء القرى العربية المدمرة زُرعت ارض هذه القرى بأشجار حرجية لتخفى تحتها القرى المدفونة، لكن الذاكرة الفلسطينية لم تزل حية وأصبحت الغابات الميدان الرئيس لنضال اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في إحياء ذكرى قراهم. لقد أقام الصندوق القومي اليهودي حدائق عامة في مواقع القرى المدمرة ، وتم زرع أشجار الصنوبر والسرو لإخفاء هذه القرى ودعم صناعة الخشب في إسرائيل. لكن أرض بعض القرى رفض شجر الصنوبر، وبرزت من وسط جذوع الصنوبر المرفوض أشجار زيتون متحدية التزييف. ويدعي الصندوق القومي اليهودي أنه زرع عشرات الحدائق العامة، مع أن هذه الحدائق والغابات قد تم زرعها على يد أبناء فلسطين وقبل النكبة .
 
الفصل الحادي عشر: إنكار النكبة و "عملية السلام"

 يشير الكاتب إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي ينص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم وتنكر إسرائيل لهذا القرار وبمساعدة الدول الغربية، واستبعاد قضيتي النكبة واللاجئين دائماً عن جدول أعمال السلام.

وبعد حرب عام 1967 وبعد احتلال ما تبقى من فلسطين وسيناء والجولان بدأت محاولات إحلال السلام للمنطقة. ولكن تولى ذلك الأمريكان، وموقفهم المؤيد لإسرائيل، وطرحهم لحلول كلها تؤيد إسرائيل وترفض حق العودة للفلسطينيين، وترفض الانسحاب الشامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتغض الطرف عن انتهاك إسرائيل الاتفاقات الموقعة في واشنطن والقاهرة؛ جعل محاولات السلام تلك فاشلة وتراوح مكانها.

لقد دمرت إسرائيل اتفاقيات أوسلو وغيرها من الاتفاقيات، ويرفض الإسرائيليون حق العودة لخوفهم من أن تصبح إسرائيل مسؤولة عن نكبة عام 1948 فقد صدر عن الكنيست قرار يمنع على أي مفاوض إسرائيلي أن يناقش حق عودة اللاجئين الى بيوتهم المحتلة عام 1948 وما قبلها. ويعرض الكاتب إلى خارطة الطريق ومبادرة جنيف، وما عليهما من ملاحظات من كلا الطرفين. ويؤكد في النهاية أن إسرائيل تريد أن تبقى دولة يهودية خالصة أي ( إسرائيل القلعة ).

الفصل الثاني عشر:  إسرائيل القلعة

إسرائيل القلعة أو إسرائيل اليهودية أو إسرائيل بدون عرب، هذا ما يخطط له قادة دولة إسرائيل فتم إصدار عشرات القرارات العنصرية ضد العرب، وكلها تهدف الى تقليل عدد السكان الفلسطينيين، وان يبقى عددهم في إسرائيل محدوداً. يقول بنيامين نيتنياهو: "إذا صار العرب يشكلون 40% من السكان، فان هذا سيكون نهاية الدولة اليهودية". وأضاف: "لكن حتى نسبة 20% هي أيضاً مشكلة".

 تعمل إسرائيل على حل المشكلة السكانية بتشجيع الهجرة اليهودية إليها من كل أقطار الأرض. ويصور الكتاب الصهاينة المتعصبون أطفال العرب والذين يشكلون ربع أطفال إسرائيل أنهم القنبلة الموقوتة، وإنها ليست مشكلة فقط بل خطرا يهدد الكيان اليهودي.

يقول الكاتب:

 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل في سنة 1948 في العودة الى ديارهم وهذا حق راسخ في القانون الدولي ومتوافق مع أفكار العدالة الإنسانية. وان رفض حق العودة يعادل تعهداً غير مشروط بمواصلة إنكار النكبة وتدعيم "القلعة". إن الحل لقضية الصراع هو أن تتحول إسرائيل الى دولة مدنية وديمقراطية.

ويدعو الكاتب إلى استغلال فرص السلام ليعيش الجميع في سلام، وحتى لا يفقد شعب فلسطين الأمل كي لا يصل إلى اليأس والأسى، لان هذا سيعيد الصراع لبدايته.  
         
الخاتمة: البيت الأخضر


بدأ المؤلف كتابه بمقدمة عنوانها: البيت الأحمر، الذي هو مقر قيادة الهاغانا ويعد من أفضل نماذج البناء في تل أبيب. وأما البيت الأخضر فهو نادي هيئة التدريس والإدارة في جامعة تل أبيب والذي كان أصلاً بيت مختار قرية الشيخ مؤنس، حيث أقيمت جامعة تل أبيب على أرض هذه القرية الفلسطينية.

يقول الكاتب:

 "إن البيت الأخضر هو الصورة المصغرة لإنكار الخطة الصهيونية التي بموجبها جرى تطهير فلسطين عرقياً والتي تم وضعها في الطبقة الثالثة من البيت الأحمر".

يعتب الكاتب على علماء جامعة تل أبيب خاصة علماء الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والفلسفة، ويلومهم لأنه لا يوجد فيهم من كتب أو وثق الأعمال التي قامت بها القوات الصهيونية ضد الفلسطينيين؛ يلومهم لأنهم لم يوثقوا عمليات التطهير العرقي للشعب الفلسطيني من أرضه.

وفي الخاتمة يدعو الكاتب الى وقف العنف فالعنف لا ينجو منه أحد، وخطر النزاع لا يترك أحدا، والنزاع أفدح تدميراً، وأكثر دموية وشدة.

------------------------

 كتاب التطهير العرقي في فلسطين من منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية يقع في 374 صفحة من الحجم المتوسط. تم طبع الكتاب في لندن عام 2006، وفي بيروت عام 2007، وفي فلسطين عام 2007، وهو من تأليف إيلان بابه، وترجمة د. أحمد خليفة.
 يوسف عيسى خليفة، باحث وكاتب من فلسطين/ سكان محافظة بيت لحم.